Quantcast
Channel: مدونة تربية حرة - أ.محمد أبو معيلق
Viewing all articles
Browse latest Browse all 87

اليوم الخامس: التعلم من خلال التصميم

$
0
0
خلال سعيه لاختيار أحد موضوعات المقرر يتلاءم  مع ما يسعى له من دمج مهارات القرن الحادي والعشرين في تدريسه لطلابه في الصف الرابع، قام "موسى"باستعراض مجموعة من الفيديوهات التي تتناول مبادرات تعليمية سابقة، وكان إحداها يستعرض تجربة أحد مديري المدارس في تعزيز الطلاب باستخدام نسخ عن الجنيه الفلسطيني القديم، حيث يقوم المعلمون بمنح الطالب المتميز خلال الحصة جنيها يمكنه الشراء به أو استبداله من مقصف المدرسة، بهدف التعزيز بشكل جديد من جهة وتأصيل قيم وطنية من جهة أخرى.

وعلى الرغم من إعجاب موسى بالتجربة إلا أنه من جهة أخرى كان لديه اعتراض على استخدام الجنيه القديم المطبوع عام 1929، أولا لطباعته من قبل سلطة الانتداب البريطاني وليس من قبل حكومة وطنية، ومن جهة أخرى فالعملة مكتوبة باللغات الثلاثة: العربية والعبرية والإنجليزية، مما يتعارض مع حقيقة المجتمع الفلسطيني في تلك الفترة، وبالتالي يرسخ حقائق أو قيم قد تتعارض مع الهدف الأصلي منها، وفي المقابل فمازالت فلسطين حتى الآن لا تملك عملة رسمية متداولة، وبناء عليه قرر أن يكون ذلك هو صلب مشروعه التعليمي.. تصميم عملة فلسطينية.



اختار لمشروعه مدخل "التعلم من خلال التصميم"وهو واحد من التنويعات الحديثة على التعلم القائم على المشاريع، حيث يعمل الطلاب من خلال فرق عمل على جمع المعلومات وتصنيفها وتحليلها، ثم التعبير عما توصلوا إليه على شكل تصميم يمكن  يتم تطويره لاحقا إلى منتج فعلي، ومن خلال ذلك الجهد يكتسب الطلاب مجموعة من المهارات الهامة التي تتجاوز مدى المنهاج التقليدي، مثل جمع المعلومات والتعامل معها نقديا، وتصنيفها وفهرستها وإعادة تجميعها، وهو ما يساعد على نمو مهارات التفكير النقدي والتفكير المستقل والعمل الجماعي، كما أن استغراقهم في جمع  المعلومات وعملية البناء ستعمل بلا ريب على غرس قيم المواطنة، وتنمية شعورهم بالمسؤولية تجاه مجتمعهم، كما أن عملهم على تحويل كل ذلك إلى مخرج ابتكاري من شأنه أن يساعد على تطوير قدراتهم الإبداعية، وثقتهم فيها، هذا فضلا عن استغراق الطلاب في مجموعة من الموضوعات التعليمية ، بما في ذلك الجوانب الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والتاريخية والفنية المتعلقة بتصميم العملة.

بالإضافة إلى قدرته على تصميم النشاط بشكل متماسك، وقيادة العمل عبر مراحله المختلفة، واجهت موسى العديد من المشكلات التي ترجع إلى البيئة، فالتعليم المدرسي في إطار المنهاج المستخدم تقليدي لا يتضمن أي تشجيع على التفكير المستقل أو المشاركة بين الطلاب في عمل أصيل، أو القيام بممارسات تعليمية تنمي التفكير الإبداعي لدى الطلبة  وما زال المعلم يقوم بالدور الأكبر من العمل وما زال دور الطالب مستمع ومتلقي للعملية التعليمية فقط، ناهيك عن عدد الساعات اللازمة لانجاز النشاط وتعارضه بالتأكيد مع الجدول الدراسي المزدحم أصلا.

إلا أن الخبر السار هنا، هو أن الإدارة المدرسية منذ لحظة عرض المشروع عليها تحمست له، و قررت أن تدعمه وتقدم التسهيلات اللازمة لتحقيق ذلك، فتحويل المواد الدراسية إلى مهارات عند الطالب هو حلم لدى المدير، خالف ذلك قناعة مسبقة لدي موسى من أن الإدارات المدرسية جامدة وترفض التغيير، أو أنها تحاول الحد من صلاحيات الطالب أثناء فترة تدريبه، كذلك تلقى كامل التحفيز من معلمي المدرسة، وقدموا له العديد من الملاحظات والتوجيهات التي ساعدته على التغلب على ما يفتقد إليه من خبرة عملية.  

الخطوة الأولى كانت خلق تعاطف لدى الطلاب مع موضوع النشاط، وكان المدخل إلى ذلك هو النقاش حول العملة ودورها في المجتمع، وتمكن من خلال استعراض مجموعة من النماذج  لعملات عربية وأجنبية أن يساعد الطلاب على استكشاف أن دور العملة لا يقتصر فقط على البيع والشراء والتبادل التجاري وحفظ الثروات، إنما كذلك تعكس هوية الأمة وتاريخها وأهم معالمها الدينية والتاريخية وكذلك أهم الشخصيات السياسية أو المؤثرة فيها، عقب ذلك النقاش  طرح عليهم موسى فكرة المشروع، تحمسوا له على الرغم من عدم ثقتهم في قدرتهم على إنجازه وعدم معرفتهم لطريقة العمل به.


الخطوة الثانية كانت تقسيم الطلاب إلى فرق، وتحديد دور كل طالب في فرقته، والهدف هو  تحديد أهم العناصر اللازم توافرها في تصميم العملات الورقية، وبناء عليه تم تحديد أهم العناصر اللازم توافرها في العملة الورقية بشكل عام، وتم الاتفاق معهم على التزام كل مجموعة بهذه المواصفات باعتبارها الحد الأدنى لعناصر التصميم، وفقا لتقديره اكتسيت هذه الخطوة أهميتها في مشاركة الطلاب في تحديد معايير التصميم اللازمة ومن ثم معايير تقييم النشاط، ومن جهة أخرى كانت بمثابة تدريب لهم على العمل ضمن مجموعات.


في الخطوة التالية كان مطلوب من الطلاب تطبيق هذه المواصفات على العملة الفلسطينية  التي يقومون بتصميمها، تطلب ذلك من الطلاب جمع المعلومات من الكتب وعبر الانترنت ، معلومات عن شخصية وطنية ،أو معلومات عن تاريخ البلد ،أو معلومات عن معالم دينية ،أو معلومات عن معلم اثري أو بعض الرموز المهمة بهدف وضعها على العملة، وتنظيم المعلومات على شكل خريطة معرفية، ثم عرض كل مجموعة لمحتوى المعلومات الذي جمعته من خلال قائد المجموعة ومناقشتها مع المعلم .

بعد عرض كل مجموعة ما لديها من معلومات يتم إبداء ملاحظات المعلم و التعليق عليها ومناقشتها مع باقي المجموعات بحيث تستفيد كل مجموعة من الأخرى (تبادل الخبرات بين المجموعات)، اتفاق كل مجموعة على شكل العملة التي تريد القيام بها من حيث : الشكل ،الحجم، المادة المصنعة أو الصور أو الكتابة والشكل العام للتصميم، إلا أنه في النهاية تم الاستعاضة عن إنتاج العملة بعمل  نموذج أولي  prototype، نظرا لعدم توافر الإمكانات المادية اللازمة لذلك، وبعد ذلك قامت كل مجموعة بعرض إنتاجها أمام المجموعات الأخرى.




ولتقييم أثر تلك الإستراتيجية على طرق التفكير عند الطلاب، لجأ موسى للكتابة الذاتية للطلاب ، حيث طلب منهم أن يسجلوا آرائهم حول طريقة التدريس المستخدمة وتقييمهم لها، ولاحظ أن الطلاب اتسموا بالوعي للإجراءات التي قاموا بها وأهمية كل منها في الوصول إلى الهدف النهائي، وذلك الإحاطة ليس فقط بما تم اكتسابه من معلومات ولكن  بطريقة التعلم ذاتها، كما أدركوا الفرق بينها وبين طريقة التعلم التقليدية، وإعجابهم بكل الطريقة لما فيها من حرية واستقلالية، واستثارة ودافعية وتحدي لقدراتهم.

قبل الانطلاق في المشروع كان موسى متخوفا من قدرته على إنجازه، وتحمل التذمر من بعض الأهالي حول تخصيص الطلاب لوقت لانجاز المشروع مقتطع من وقت الدراسة، وكذلك عدم قدرة الطلاب على العمل معا، ليس لعدم رغبتهم بشكل أساسي ولكن لعدم معرفتهم بكيفية تنفيذ ذلك، بالإضافة طبعا لعدم اتساع الجدول المدرسي لمثل هذه الأنشطة، وعدم توافر المواد اللازمة في المدرسة، وهو ما تطلب المزيد من المرونة ليمكن تحقيق ذلك، وفي النهاية تمكن الطلاب من إنجاز المهمة بمنتهى الكفاءة، وخلال ذلك تم تطوير مجموعة من مهارات القرن الحادي والعشرين اللازمة لأولادنا ليتمكنوا من العيش والعمل بفعالية في الفضاء العام وحياتهم الخاصة كذلك.

وبعد، هل تعتقد أنك قادر على تحقيق ذلك في مدرستك؟ هل تمتلك الجرأة لقيادة مثل هذا النوع من التعلم؟ هل ترغب في أن يتعلم أولادك بمثل هذه الطرق؟

نماذج للعملات التي قام الطلاب بتصميمها:












Viewing all articles
Browse latest Browse all 87

Trending Articles