Quantcast
Channel: مدونة تربية حرة - أ.محمد أبو معيلق
Viewing all articles
Browse latest Browse all 87

التعلم السطحي والعميق والأعمق (3) من النظرية إلى التطبيق

$
0
0
تناولنا في المقالين السابقين بعض الأفكار الرئيسة المؤسسة لتيار التعلم الأعمق،والذي يركز على تحويل كل درس يتلقاه الطالب إلى خبرة تعليمية عميقة تعينه على التقدم في مجاله العلمي بتفوق، وشحذ المهارات اللازمة للحصول على فرص متقدمة في سوق العمل، حيث متطلبات المهن تتطور وتتغير باستطراد، وبشكل العام تمكين الطالب من ممارسة مهارات القرن الحادي والعشرين وإتقانها.

ويتطلب تحقيق خبرات التعلم الأعمق جهدا حقيقيا من المعلم، فإلى جانب الاهتمام بالمجال الأكاديمي وتطوير الطالب لقدراته في ربط المعلومات مع بعضها في إطار سياقها العام، وإدراك علاقاتها مع جزيئات أخرى في العلم ذاته والعلوم الأخرى كذلك، يجب التركيز أيضا على تطوير الطالب لقدراته على اكتساب المعرفة الجديدة وفرزها وتمحيصها، وممارسة مهارات التفكير النقدي لحل مشكلات معقدة، وبناء مهارات العمل التعاوني، واكتساب استراتيجيات التواصل الفعال وتطويره لذهنية النجاح الأكاديمي، وسائر مجالات التعلم الأعمق الستة التي تم تفصيلها فيالمقال السابق.

عند هذا الحد يبدو الطرح معقدا ويتطلب جهدا استثنائيا، بل ويبدو غير واقعي إذا ما قارناه بما يدور في الحصص اليومية، ويمكن أيضا الادعاء بأن كل ما ورد في الفقرة السابقة يبقى "هامشيا"إذا ما  وضعناه على سلم الأولويات المطلوب من المعلم إنجازها مثل إنهاء المنهاج، ,والمهمات الروتينية و....و.....، بالإضافة إلى عدم توافر الإمكانات  ونقص الوقت اللازم لتحقيق تعلم حقيقي خلال الفصل الدراسي المتكدس بالمعلومات أصلا، وهي كلها مشكلات حقيقية تواجه المعلمين في محاولتهم لتحقيق أي عمق للمنهاج.
 من أجل إلقاء المزيد من الضوء، سأقوم بسرد تجربة قام بها معلمة متدربة تحت إشرافي، كان لتلك التجربة أعمق الأثر في إدراكي لإمكانية تحقيق التعلم الأعمق في سياق التعليم اليومي للمدارس العامة، كانت هناك مجموعة من القناعات تقود تلك المعلمة في تجربتها:

  • -          إن الفصل بين الحياة اليومية للطلاب وبين ما يتلقونه في المدرسة يجعل من عملية التعلم أمرا روتينيا مملا.
  • -          إن ما يتعلمه الطلاب يجب أن ينعكس على تطوير مهاراتهم وإلا فإنه سيصبح مجرد حشو للمعلومات
  • -          إن التعلم يتحقق عندما يقوم الطلاب بتحويله لنتاجات عملية من إنتاجهم
  • -          ضرورة توافر سياق لعملية التعلم يمنع من تحول الدروس إلى مجموعة من المعلومات المتناثرة

وهكذا أعادت تصميم الدروس الخاصة بنمو الحيوانات وتكاثرها وغذائها للصف الثاني الابتدائي (7 سنوات)، وبعد نقاش قصير مع الطالبات حول من تملك أسرتها مكان خاص لتربية الحيوانات كعمل أو كهواية، كلفتهم بتعبئة ورقة عمل تمهيدية ، كانت ورقة العمل مقسمة إلى جزئين يقوم الطالب بحلهما بمساعدة الأهل بعد زيارة أقرب مكان مخصص لتربية الحيوانات، القسم الأول كان عبارة عن جدول بسيط يشمل اسم الحيوان وطريقة تكاثره وعمره ووزنه وطوله وارتفاعه، أما القسم الثاني فكان مخصص للتعبير بالرسم أو الصور عما يراه الطالب مناسبا للمعلومات التي جمعها.

كان الهدف الأساسي للورقة هو جمع معلومات واقعية عن الحيوانات تمهيدا لتقديم الدروس، وكانت الخطوة التالية أن تفسح مجالا لبعض عرض نتائج أوراق العمل قبل أن تشرع في عرض المحتوى من خلال عرض تقديمي أعدته خصيصا لهذا الدرس، إلا أنها انتبهت إلى أن ما قدمته الطالبات كان من التنوع والثراء ما يفوق ما جهزته هي شخصيا، كذلك فإن الصور التي أضفنها كانت كذلك أعمق مما تخيلت أن يقوم أطفال في تلك العمر بتقديمه، كان دور الأهل في المساعدة واضحا، لكن كانت الفتيات مستوعبات تماما لما تحتويه، لذلك قررت أن تدفع النشاط قدما إلى الأمام.

قسمت الطالبات إلى مجموعات، وطلبت من كل مجموعة أن تتعاون فيما بينها لانتاج لوحة تشمل جميع المعلومات الواردة في أوراق العمل الخاصة بالمجموعة، مع تحديد أهم العناصر التي تشملها اللوحة في التالي:
-          تصنيف الحيوانات حسب طريقة تكاثرها وغذائها
-          دورة حياة الحيوان  وخصائص نموه
وتركت لهن حرية العمل في باقي التفاصيل، لكن كان عليها أن تضمن الحد الأدنى من الالتزام بالمحتوى المطلوب

كانت الجلسة الأولى في عمل المجموعات عبارة عن فوضى شاملة، فالفتيات المعتادات على العمل الدراسي المنفرد كان من الصعب عليهم التعاون في انجاز المهمة، فكل منهن ترى أن أفكارها هي الأفضل وهي التي يجب أن تحتل الصدارة، كن يفتقدن طريقة العمل سويا كما كن يفتقدن إلى آلية تنظيم المعلومات، وكان ذلك يتطلب تدخلا من المعلمة ليتمكن من انجاز المهمة.

الخطوة الأولى كانت تقسيم العمل داخل المجموعات، وإعطاء كل فرد فيها دور متميز، وللتأكد من استيعاب الطالبات للأمر طلبت من كل طالبة أن تحدد وظائف الدور الذي تقوم به داخل المجموعة، أعقبها عصف ذهني تناول كيف يمكن لكل واحد من هذه الأدوار أن يتفاعل مع الأدوار الأخرى، والخطوة الثانية قام بتقديم مجموعة من المخططات التي يمكن لهن استخدامها في تنظيم معلوماتهن، كانت تلك الخطوات هامة جدا في مساعدة الطلاب في الوصول لأهدافهن

الجلسات التالية على مدار الحصص المتبقية من الأسبوع، كانت عبارة عن عمل حقيقي ومنظم من الطالبات، شغلتهن المهمة المطلوبة وكانت محور حديثهن خارج الصف، وجاء العرض تعبيرا عن فهم ووعي لكل ما تمثله تلك المفاهيم ذات العلاقة بموضوع الدرس، في ترتيب شيق ومعبر عن أفكارهن.

كانت المعلمة انتبهت سابقا إلى عنصر لم تشمله في نشاطها وأشار له معظم الطلاب خلال عروضهم عن الأولية عن ورقة العمل، وهو الجانب الاقتصادي لتربية الحيوانات، لما له من تماس مع مجتمع القرية التي تحيى بها الفتيات، طلبت المعلمة من كل مجموعة أن تختار أحد الحيوانات في مجموعتها وتتخيل أنها مسئولة عن مزرعة لها، وتعد قائمة بأهم الأمور التي يجب مراعاتها للحفاظ على صحة الحيوانات، وكيف يمكن أن تستفيد منها ، مرة أخرى بالتعاون مع الأهل، استطعن أن يؤدين المهمة بنجاح وكفاءة.

لم ينتهي الأمر عند هذا الحد، بزغت في رأسها فكرة وقررت أن تنفذها فورا، وعلى الرغم من أن الدرس لن يتعرضوا له إلا في مرحلة دراسية أعلى، بعد عامين أو ثلاثة، إلا أنها وجدت أنه قد تم وضع أساس له من خلال ورقة العمل، وهو التمثيل البياني للمعلومات، تأكدت في البداية من استيعابهن لمفهوم القياس المتري، ثم بدأت باستخدام العروض التقديمية في توضيح مفهوم التمثيل البياني، باستخدام صور لحيوانات مختلفة على الرسم البياني، وتحويل الصور إلى خطوط.

للتحقق من فهمهن للمطلوب، طلبت من كل مجموعة أن يقمن بتحديد طول كل حيوان من الواردة في أرواقهن، ومن ثم ترتيبهم تنازليا، ثم قامت بتوزيع نموذج للرسم البياني مقسم طوليا، وطلبت منهم أن يستخدمنه في المقارنة بين أطوال الحيوانات، أدهشها أن العمل كان سهلا ولم يستغرق منهن وقتا طويلا، قامت بعد ذلك بطلب من كل طالبة على حدة أن تقارن بين حيوان وابنه من حيث الطول أو الوزن، وهو ما تحقق من خلال مساعدة بعضهن بعضا.

وبالنظر إلى النتائج، يمكن القول أن الدرس لم يسر تماما كما تم التخطيط له من البداية، وهو واحد من أهم السمات التي يجب أن تتسم بها أنشطة التعلم الأعمق، وهو المرونة الكافية للاستجابة لحاجات الطلاب وطبيعة أفكارهم، وهو ما يعد مفيدا للتخطيط لنفس الدرس في المرات القادمة بحيث يستوعب كل تلك المتغيرات، كذلك لم يكن الزمن المستغرق أطول كثيرا من الوقت المخصص لدراسة الوحدة، إلا أنه يمكن القول أن كل دقيقة منه تم إنفاقها بعناية في تطوير مهارات الطالبات وشحذ تفكيرهن.


وبالعودة إلى أسس التعلم الأعمق الستة (اتقان المحتوى الأكاديمي، التفكير النقدي لحل مشكلات معقدة، العمل التعاوني، التواصل الفعال، التعلم الذاتي "تعلم كيف تتعلم"، عقلية النجاح الأكاديمي)، هل تعتقد أن تلك الاستراتيجية التي قامت المعلمة بتنفيذها قد راعتها؟ بأي قدر؟ وكيف؟  

Viewing all articles
Browse latest Browse all 87

Trending Articles