Quantcast
Channel: مدونة تربية حرة - أ.محمد أبو معيلق
Viewing all 87 articles
Browse latest View live

برنامج تدريبي: توظيف المدونات في التعليم

$
0
0
نشاط: "تطوير مهارات الكتابة والنشر الالكتروني "المدونات"
تدريب خاص بطلاب تكنولوجيا التعليم
جامعة القدس المفتوحة
رام الله والبيرة
مقدمة:
يعد التدوين واحد من أشكال النشر الالكتروني، يتميز بطابعه التواصلي الحميم بين المدون ومتابعيه، والعلاقة التفاعلية بين القارئ والكاتب، وتكتسب المدونات التعليمية أهميتها من توفير منصة للمعلم يمكن له من خلاله التواصل مع طلابه وزملائه على مدى واسع، والتغلب عن عوائق الزمان والمكان، وتوفير مصادر علمية وتعليمية هامة ومتنوعة، كما تساعد في نقل وتبادل الخبرات بين المعلمين وبعضهم، والتفاعل بين المعلمين والمتعلمين والمهتمين كجماعة معرفية تسعى لإنتاج المعرفة بأشكال مختلفة.

يعد التدوين فرصة هامة أمام الطالب ليعيد صياغة معرفته بشكل ذاتي، والكتابة بأسلوبه الخاص، كما تفتح المدونات المجال للتعامل مع تكنولوجيات حديثة من خلال التعامل مع التطبيقات المختلفة، ويساعد في تطوير مهاراتهم الاجتماعية والمعرفية، وأساليب التعبير الإبداعي، كما يمكن استخدامها كأداة لتعزيز  ثقة المتعلمين بأنفسهم، وتحسين تعلمهم وفتح آفاق التطور المهني.

وتعد المدونات التعليمية واحدة من التطبيقات الاجتماعية الشائعة عالميا في مجال تكنولوجيا التعليم، وتكتسب أهمية خاصة  على المستوى  المحلي نتيجة للتوجه المتزايد نحو دعم قطاع التكنولوجيا في التعليم في فلسطين، وهو ما يتسق مع أهداف مقرر  في إكساب الطالب المعلم (طالب كلية التربية) المهارات والمعارف اللازمة ليتمكن من توظيف التكنولوجيا بشكل فعال في تدريسه.

أهداف النشاط:
يهدف النشاط إلى تحقيق الأهداف الآتية:
1.       إثراء المحتوى التعليمي العربي على الانترنت.
2.       تطوير مهارات الطالب/المعلم في استخدام المدونات في مجال التعليم.
3.       تطوير مهارات الطلاب في مجال الكتابة العلمية والتوثيق.
4.        تعريفهم ببعض مصادر المعرفة الالكترونية.

مدة النشاط: 17أيلول/ سبتمبر 2015 وحتى 9 كانون أول/ديسمبر 2015
مراحل النشاط:
المرحلة
الموضوع
المهمات
الزمن المتطلب
الأولى
انشاء المدونة وتصميمها
-          اختيار موضوع المدونة وأسمها
-          اختيار منصة التدوين
-          بناء المدونة
-          عمل التصميم العام لها
أسبوع
الثانية
التدوين
-          تحديد حاجات الجمهور
-          صياغة استراتيجية التدوين
-          انتاج عدد (8-10) تدوينات
ثلاثة أسابيع
الثالثة
التخطيط والتنظيم
يقوم الطالب في هذه المرحلة بتخطيط المدونة وتنظيم محتوياتها بما يتناسب مع حاجات الجمهور، وتحقيق عناصر الجاذبية، وتطوير استراتيجية تنظيم المحتوى
أسبوعين
الرابعة
نشر المدونة
ويسعى الطالب في هذه المرحلة لتوصيل المدونة إلى أوسع نطاق من الجمهور والمهتم وتحقيق الشعبية اللازمة لها
أسبوعين
الخامسة
تقييم المدونة
يتلقى الطالب في هذه المرحلة تغذية راجعة من عضو هيئة التدريس ومن الأقران حول مدونته، ويقوم بعمل اللازم تمهيدا للتقييم النهائي
أسبوعين

تقييم النشاط:
1-      يخصص (5) علامات للنشاط،  تضاف على علامة الطالب النهائية.
2-      يتم تقييم المدونة وفقا للنموذج المرفق
3-      سيتم اختيار أفضل أعمال الطلاب ونشرها بأسمائهم من خلال مدونة خاصة بالجامعة ، كما ستقوم الجامعة بتكريم الطلاب المميزين.


للاشتراك قم بتعبئة نموذج البيانات





،

توظيف التقويم في بناء تعلم متمركز حول المتعلم

$
0
0
إن التقييم هو أداة مفتاحية لبناء صفوف اكثر تمحورا حول المتعلم، وقبل التقدم في عرض الفكرة أرغب في توضيح ما الذي أقصده "بالتقييم"، لا ينصرف المعنىهناإلى الاختبار أو العلامات، فقد أسيء إلى هذا المصطلح (تماما كما حدث لمصطلح التدريس المقود بالبيانات) وتم حصره في المزيد من الاختبارات، والتعرف على الطالب فقط على ضوء نتائجه في الامتحانات، لنتفق أن هذا لم يعد مقبولا ولا ملائما لحاجات كل الطلاب.

من الصحيح أن بيانات مثل نتائج الامتحانات يمكنها أن توفر لنا مجال لتحسين خدماتنا التعليمية لطلابنا، ولكنها ليست المجال الوحيد، فإذا ما رغبنا حقا في التعرف على طلابناـ فإن نتائج الاختبارات واحدة من عدة أدوات، ويمكن لتقييم حقيقي أكثر تمحورا حول المتعلم أن يسمح لنا بالتعرف على طالبنا ككل.

تقييم شغف الطلاب وأنماطهم التعليمية.
يعد تقييم شغف الطلاب واهتماماتهم مفتاح لبناء صف أكثر تمركزا حول الطالب، إن كل طلابنايأتون بخبرات متينة تنبع من حياتهم، مثل قصص الأسرة والكتب المفضلة والعادات والرحلات، يمكننا أن نستخدم تشكيلة من أدوات التقييم مثل محادثات شخص لشخص، المجلة الشخصية، ومنظمات الجرافيك، لنتعلم أكثر عن طلابنا ودوافعهم نحو التعلم، أدوات مثل بطاقات بروفايل التعلم يمكن أن تسمح لنا بالتفريد بين الطلاب بطريقة ملائمة، رفع طاقاتهم وتدعيم قوتهم، ومساعدتهم على التعلم بطرق أخرى، والتعرف عليهم بشكل أعمق، وتصميم غرفة الصف وفقا لهم.

تقييم مهارات القرن الحادي والعشرين/النجاح
نعرف بشكل مسبق أن بعض طلابنا يتفاعلون بشكل أفضل من الآخرون، كما أن لبعضهم يملكون تعاطفا عالميا بشكل أوسع من باقي الطلاب، لو قمنا بتقييم مهارات القرن الحادي والعشرين أو مهارات النجاح لو شئنا تسميتها  كذلك، فإننا بذلك نكون زودنا الطلاب بالخبرات والتدريس الذي يركز على تطوير مهاراتهم من جهة، ويسمح لهم بالنمو فيما هو أكثر من مجرد المعارف والمهارات الواردة في المنهاج.

ويمكن الاعتماد على الروبرك (سلم التقدير اللفظي)أو أيا من أدوات التقييم الأخرى التي تسمح للطلاب أن يتعرف ويشعر بهذه المهارات وكيف تبدو من خلال الممارسة الواقعية لها، كما يمكن استخدام هذه الأدوات للتقييم الذاتي أو تقييم المعلم أو تقييم الخبير، فبينما يعرف بعض الطلاب محتوى الرياضيات على سبيل المثال، إلا أنهم بحاجة للدعم في التركيز على الإصرار والجهد الذاتي، ويمكننا أن نجعل الصف التعليمي يلبي احتياجاتهم تلك بصورة مخططة وهادفة.

التقييم التكويني للمحتوى والمهارات
البيانات المستقاة من الاختبار تتيح لنا أن نعرف كيف يتقدم الطلاب تجاه اتقان معارف ومهارات المحتوى، على أية حال، هذه المعايير لا تسمح لنا بتجاوز تقييم الحد الأدنى للمستويات التي يمكن أن نتوقعها من طلابنا، كما أن تلك الأدوات لا تزودنا بالبيانات الوقتية (في الوقت المناسب) التي تمكننا من استخدامها، بل متاخرة جدا عن دعم اهدافنا من التعليم، أي أننا في الغالب لن نستطيع أن نستخدم تلك البيانات في اللحظة المباشرة لتلبية حاجات طلابنا. عوضا عن ذلك يمكن للمعلم استخدام التقييم التكويني قصير المدى لتقييم مهارات ومعارف الطلاب، بهذه الطريقة يمكن لنا أن نعرف أي المفاهيم والمهارات بحاجة لإعادة تعلمها وأيها أتقنها الطلاب، وهذه التقييمات ليست كمية أو بعلامات، بل عوضا عن ذلك يمكننا استخدامها لبناء عن بيئة تعلمية أكتر تمحورا حول الطالب.

التقييم من أجل التدريس
يجب أن يتم توجيه التدريس في غرفة الصف من خلال البيانات المستقاة من أشكال التقييم المختلفة، وذلك دليل على أهمية التقييم التكويني، أن نية التقييم التكويني يجب أن تكون"التغذية الدافعة  feed forward" (في مقابل التغذية الراجعة Feedback) لعملية التدريس، وبناء الأنشطة التعليمية لكل طالب وفق احتياجاته، نعم ربما كان ذلك يمس طريقة التدريس الكلية للصف، إلا أنها غالبا ما تركز على طرق تدريس الخاصة بالمجموعات الصغيرة وكذلك طرق التدريس الفردية.

عندما نستخدم التقييم التكويني بعناية، يمكننا استكشاف أي الطرق يحتاج إليها الطالب، ربما هو بحاجة للتفكير بصوت عالي أو أي من النماذج اللازمة للمساعدة، أو ربما هو جاهز للممارسة والتطبيق المستقل، كما يمكن للتقييم التكويني أن يخبرنا إذا ما كان الطلاب بحاجة لمزيد من التعلم التعاوني.

أيا ما كان تخطيطنا للتدريس، فإننا نعرف أنه لا يجب أن يكون جامدا، ويمكننا دائما استخدام التقييم على المحل لاتخاذ قرارات لحظية في تدريسنا، كما نستخدم هذا التقييم ليساعدنا على تخطيط تعليمنا المستقبلي، وهو ما يساعدنا على زيادة درجة انخراط الطلاب في عمليات التعلم المتمركزة حول المتعلم.

يمكن للتقييم أن يكون أداة هائلة بحق لتعميق معرفتنا بطلابنا وتلبية احتياجاتهم، يجب علينا أن نتجاوز تلك الحزم المتعارف عليها تحت أسم "تقييم"وأن نيقن أنها قد تعني العديد من  الأشياء بخلاف الشائع والمتعارف عليه، نعم يمكننا تقييم المعارف والمهارات، لكن كذلك من الحتمي تقييم الشغف والاهتمامات ومهارات النجاح، واختيار الأنسب لأغراض التدريس الحقيقي في الوقت المناسب.

كاتب المقال: Andrew Miller


تصميم التفكير : دروس مستفادة من أجل الصف

$
0
0
عملية تصميم التفكير"التفكير التصميمي"
على الرغم من أن التفكير التصميمي ينبع من قطاع الإبداع والتصميم، إلا أن العملية ذاتها تصلح للتطبيق في كافة المجالات، في الحقيقة، إنها أداة رائعة لتدريس مهارات القرن الحادي والعشرين، حيث يجب على المشاركين حل مشكلة من خلال الأبحار خلال البيانات وجمعها وتنظيمهاـ، التعاون مع الآخرين، إعادة تصميم حلولهم، كل ذلك بناء على العالم الواقعي والخبرة الأصيلة والتغذية الراجعة (كما أنها أداة رائعة لإدارة وتطوير المدرسة، ولكن ذلك موضوع آخر مختلف عن مقال اليوم)

لقد كان من حسن حظي أن شاركت في ورشة عمل تعاونية حيث مارسنا،  أنا وأثني عشر مربي آخر، عملية تصميم التفكير على مدى ثلاثة أيام، وتبينا كيف يمكن لهذا النموذج أن يأخذ مكانه في غرفة الصف.

ممارسو التفكير التصميمي عادة ما يستخدمون خطوات مختلفة وفقا لاحتياجاتهم، خلال التجربة المشار إليها سابقا، فقد استخدمنا الخطوات التالية:

1.       تحديد الفرص Identify Opportunity
2.       التصميم Design 
3.       النمذجة (بناء النموذج) Prototype 
4.       التغذية الراجعة Get Feedback
5.       النشر والتوسيع Scale and Spread 
6.       العرض (التقديم) Present
في التفكير التصميمي، فإن عملك يتقدم من خلال المضي قدما في هذه الخطوات معا كمجموعات صغيرة، في التجربة السابقة كانت مهمتنا أن نفحص سؤالا واحدا وهو : كيف يمكن أن نبني طرق لتقييم التعلم تهدف لتقدم ملموس تجاه أهداف ذات معنى؟"ومع هذا السؤال في الذهن، عملت كل مجموعة مع مدرب/ ميسر، مع مجموعة من قواعد العمل (مثل قول نعم، وبالأحرى.....بدلا من نعم، ولكن....حينما تختلف مع شخص ما) والكثير من القوانين التي تجعل المجموعة تتبنى ثقافة الايجابية وتقبل المخاطرة والدعم والمرونة، وهو ما كان من الأهمية بمكان، لكسر حالة السلبية التي تعذبنا، وتخطي المواقف الشائكة، والخروج بنموذج ذهني لحل جانب من المشكلة.

وهنا فكرة جديدة تماما، وهو أننا لسنا مكلفين بإصلاح النظام بأكمله، إن هذا المدخل يقوم على أن القيام بوضع إصلاحات صغيرة في المكان الملائم، يمكن أن يكون له أثر عظيم على المخرجات.
خطوات التفكير التصميمي الستة
لحل هذه المشكلات، اتبعنا نظام مكون من ستة خطوات لتصميم التفكير:
الخطوة الأولى: تحديد الفرص Identify Opportunity
لتعميق فهمنا بالمشاكل المحيطة بالتقييم المناسب لمهارات القرن الحادي والعشرين، تم تقسيم مجموعتنا إلى مجموعتين، كل مجموعة قامت بمقابلة أثنين من المعلمين، معلم مدرسة عامة يرغب في تقييم المهارات الناعمة بالإضافة معايير التقييم (التقليدية) المفروضة من المديرية، ومعلم آخر مستقل يريد وسائل تقييم للطلاب لا تقاطع تعلمهم.
هذه المقابلات أعطت لمجموعتنا هدفا محددا: كيف يمكن أن ننتهي إلى نظام أو مخرج يحقق حاجات كلا المعلمين في تقييم مهارات القرن الحادي والعشرين؟
الخطوة الأولى في الصف: لنقم بتحديد مشكلة كبيرة تهدد مدرستنا أو مجتمعنا، هل هناك مشكلة في توفير التمويل؟ مشكلة في مصادر المدرسة؟ أهتمام مدني أو مشكلة بيئية؟ يمكنك أيضا أن تقوم بتحديد سريع لاحتياجات المجتمع، لكن لا تجعل ذلك يستغرقك تماما، الفكرة أن تختار مشكلة ما وتمضي في خطوات العملية، كما يمكنك أعادة العملية في وقت لاحق.
بمجرد من انتهائكم من أختيار المشكلة، يمكنك دعوة أثنين أو ثلاثة من أولياء الأمور أو أفراد من المجتمع المحلي، والذين يتأثرون عن قرب بالموضوع الذي تم اختياره، ليشاركوا منظورهم للأمور مع الطلاب، سواء بشكل شخصي أو حتى عبر السكايب، دع طلابك يسألون الكثير من الأسئلة، أنهم الناس الذين سيقوم طلابك بتصميم الحل من أجلهم.

الخطوة الثانية: تصميم العملية (الاجراءات) Design Process
نقوم هنا بمراجعة القصص من الخطوة السابقة، والقيام بعصف ذهني من أجل التوصل لحلول، نحتاج للوصول إلى أفكار أصيلة ودقيقة لأدوات التقييم ، وتقدم بيانات ذات معنى للعالم الحقيقي لمعلمي المدارس العامة، مع شعار "لا توجد فكرة غبية"، قمنا بكتابة أفكارنا على وريقات لاصقة ووضعها على اللوح، وفي نهاية العصف الذهني، بدأنا نرى كيف تتشابك تلك الأفكار وتجتمع معا، يجب أن تقدم تلك الأدوات تغذية راجعة للطالب حول ما الذي يعاني من ضعف فيه، وما الذي هو بارع ويمكنه التقدم فيه، كما يجب أن تكون مرتكزة على الطالب، طولية، مع تغذية راجعة وقتية، قمنا بتنظيم البطاقات اللاصقة في شكل موحد استعدادا للغد.
الخطوة الثانية في الصف: بعد أن يستمع الطلاب للمشكلة التي تواجة المجتمع في الخطوة الأولى، اعطهم أقلام وبطاقات لاصقة ويقومون بعصف ذهني من أجل الوصول لحلول، ادعهم للاستلهام من أفكار بعضهم البعض والبناء على أفكار بعضهم البعض، تذكر "ما من فكرة غبية"، بمجرد من فراغهم من العصف الذهني، اعملوا معا على تحديد الموضوعات الرئيسة التي تندرج فيها الأفكار، قسم الطلاب إلى مجموعات صغيرة لبحث أفكارهم الأولية، هنا لعبك لدور المرشد غاية في الأهمية، بدون تدخلك في صلب العمل طبعا، ربما يتوصل الطلاب إلى أفكار رائعة جدا لكنها مستحيلة التنفيذ، هنا يجب على المعلم ارشادهم (بطرق مختلفة) لخبرات العالم الواقعي، لمساعدتهم على التأكد من الوصول إلى بداية صالحة.

الخطوة الثالثة: مرحلة النمذجة (بناء النموذج) Prototype Phase
التالي هو مراجعة العناصر الرئيسة واختيار أحدها للقيام بنمذجته (تحويله إلى نموذج)، لا يجب أن يحل هذا النموذج المشكلة برمتها، فقط جانب واحد منها والذي تم مناقشته في الخطوة الأولى (انتبه أن هناك الالتزام القوي جوهري في هذه العملية، عند هذه النقطة، يجب أن نركز على حل واحد لجانب واحد من جوانب المشكلة)

فكرتنا هي IGPS، وهو جهاز يقيم تقدم المتعلم بنفس الطريقة التي يعمل بها جهاز GPSفي السيارات، حيث يقوم بتحديد مستوى المهارة الحالية للطالب، مع تحديد المستوى المطموح له والطريق أو النقاط التي يجب أن يمر بها المتعلم في الوصول إليه.

لقد استخدمنا أوراق وأقلام التحديد وأدوات تنظيف الغليون ولصق لنقوم بعمل نموذج أولي لفكرتنا، والذي بدى مثل خرائط جوجل لتحديد "أين أنا"و"أين يجب أن أذهب"مع توضيح النقاط على طول الطريق بينهما والمهارات التي تتقاطع معه، ربما كان نموذج بدائي جدا ولكنه وصل الفكرة بكفاءة.
الخطوة الثالثة في الصف: احضر مجموعة من الخامات الإبداعية معا، ودع المجموعات تحاول تحويل أفكارهم إلى نماذج مادية، وخلال قيام الفريق بالإبداع معاـ ساعدهم على التفكير من خلال نماذجهم: كيف أن كل ميزة فيه ستساعد الناس الذين قابلناهم في الخطوة الأولى؟ هل ينسجم مع الأبحاث التي أجريناها؟ كيف سيعمل هذا النموذج؟ ما الخامات الأنسب لهذا العمل؟
وبمجرد من انتهاؤهم من العمل عليها، اخبرهم أنهم سيقدمون هذه النماذج لخبراء، اعطهم فرصة مناسبة للتدريب على عروضهم وتحسينها، وبالتالي يشعرون بالراحة والثقة.

الخطوة الرابعة: التغذية الراجعة Feedback
خلال الغداء قامت كل المجموعات بعرض نماذجها الأولية للجنة من الخبراء من أجل الحصول على التغذية الراجعة، كل المجموعات شاهدت عروض بعضها البعض، معظم النماذج كانت عبارة عن أدوات برمجية رقمية وإن لم يكن كلها.
تم تقديم تغذية راجعة من شخصين لكل مجموعة، الأول معلم يبحث عن امكانية تحسين الفكرة لتصبح أكثر فائدة، لعالم الصف الواقعي، والآخر مستثمر اجتماعي ليقيم صلاحيتها للسوق وإذا ما كان المنتج قابل للاستثمار فيه في عالم الأعمال.
 الخطوة الرابعة في الصف: قم بدعوة مجموعة من الخبراء في مجال المشكلة للحضور للمدرسة ليقدم الطلاب نماذجهم لهم، اطلب من كل خبير مراجعة كل نموذج وكل عنصر فيه، واعطاء الطلاب تغذية راجعة صريحة: ما الجيد في هذه الفكرة وما الذي بحاجة للتحسين.

الخطوة الخامسة: النشر والتوسيع Scale and Spread
بعد تلقي التغذية الراجعة نشحذ الهمم للمضي قدما في العمل على نموذجنا، ولتحقيق ذلك تم تقسيم المجموعة إلى فرق لتحديد الأسئلة التي تم إثارتها، كيف يمكن لها أن تدعم عمل الفرد والفريق؟ كيف يكسب الطالب نقاط (الجانب الكمي)؟ كيف يبدو هذا المنتج؟ وبالنهاية، وبفرض أن الجهاز الذي ابتكرناه ناجح كأداة لقياس مهارات القرن الحادي والعشرين، ما أفضل طريقة لتسويقه للمسؤولين الرسميين الذين يملكون قرار تبنيه؟ قمنا بإجابة هذه الأسئلة ومن ثم أعدنا تصميم نموذجنا ليراعي تلك النقاط.
الخطوة الخامسة في الصف: من المهم في هذه الخطوة أيضا ممارسة دور الخبير الخارجي لتسهيل العمل، ساعد كل مجموعة على فهم التغذية الراجعة التي تم تقديمها لهم، واعمل معهم على فهم أفضل الطرق لتطبيق حلولهم المقترحة، إذا ما كانت هناك تغذية راجعة متعددة النقاط، يمكن تقسيم كل مجموعة إلى فرق فرعية لتتولى كل منها واحدة من تلك النقاط بكفاءة، ربما يمكن لكل مجموعة اختيار "مديرا للمشروع"لتقدم كل الفرق الفرعية تقريرها له.

الخطوة السادسة: العرض (التقديم)Present
معظم الوقت نذهب إلى هذه المؤتمرات ونمتليء بتلك الأفكار الرائعة هناك، ومن ثم نغادر بدون أن يتغير شيء، أما تلك التجربة فقد توجت بمفاجأة، فمن بين تسعة مشاريع تم عرضها، تم اختيار ثلاثة منها لتنضم لبرنامج يمكن من خلالها أن تؤتي ثمارها، من خلال ممولين يوفرون لكل مشروع مبلغ خمسين ألف دولار لتنفيذ الفكرة، وكذلك ورشات عمل لدعم تصميم المجموعات، والمشاركة في شبكات لتوفير  المصادر وخدمات الدعم والاحتضان لهذه الأفكار.
وهكذا، بعد بضعة ساعات من العمل التعاوني، تمكنت المجموعات التسعة من ابتكار مجموعة من النماذج الرائعة، بينما حصل ثلاثة منها على الدعم اللازم لتحويل نماذجهم إلى منتجات واقعية.
الخطوة السادسة في الصف: بخلاف تدبير زيارة من ثري خيالي، يجب عليك الإتيان بأفكار خلاقة لهذه المرحلة الأخيرة، ربما يمكنك دعوة الأفراد الذين انخرطوا في الخطوة الأولى وآخرون للاستماع إلى العروض، واجراء عصف ذهني للوصول إلى طرق قابلة للتطبيق للاستفادة من هذه الأفكار  في ظروف أصيلة، يمكنك كذلك تدبير اجتماعات واقعية أو عبر الانترنت مع رجال أعمال محليين.

كاتب المقال:  raybetty
رابط المقال الأصلي:

اليوم الخامس: عن صعوبات التعلم

$
0
0

اعترف بأن موضوع صعوبات التعلم هو أحد جوانب النقص في تأهيلي الأكاديمي وتكويني المهني، لذلك لم أكن أحاول أن أتطرق إليه في تدريبي أو خلال عملي مع الطلاب، إلا أنني عادة ما كنت ألاحظ  إهمال معظم المعلمات للطلاب ذوي الاحتياجات الخاصة بشكل عام، ومن خلال نقاشي معهم اكتشفت أنها لم تكن حالات إهمال متعمد بقدر ما هو نتيجة لاستنفاذ جميع الطرق المتاحة لدمجهم في الصف، ومن ثم الاعتماد على معلمة غرفة المصادر المختصة بالتعامل مع هذه الشريحة من الطلاب، لذلك كان من المعتاد بالنسبة لي أن تقوم الطالبة المتدربة بإخراجهم من الحصة أثناء التقييم، أو تجاهلهم تماما.

والغريب أنني لاحظت من خلال زيارات متعددة، أن معلمة المصادر تقوم بتقديم الدروس للطلاب ذوي صعوبات التعلم بنفس طريقة المعلمة التقليدية، الفارق فقط أنها كانت تقدمها لهم على انفراد، طالب أو أثنين في كل مرة، وعلى الرغم من تخصصي في الموضوع، فإنني كنت أدرك أن ذلك ليس هو الوضع الصحيح، وأن هناك طرق وأساليب خاصة للتعامل مع هؤلاء الطلاب.

إلى أن التقيت في أحدى زياراتي بالمدارس بمعلمة مصادر متخصصة في مجالها، على مستوى الدراسة والتدريب، سمراء قصيرة وهادئة إلا أن عينيها يشعان بالذكاء، المدرسة نفسها في حي فقير من أحياء المدينة قديمة المبنى فقيرة المصادر كما يتضح من هيكلها وغرفها، غرفة المصادر نفسها تم إعدادها بوسائل محلية من صنع المعلمة، لا شيء مميز أو مبهر، لذلك فاجأتني لهجة الفخر في عبارة المدير "نحن نولي اهتماما خاصا للطلاب ذوي صعوبات التعلم"، ومع استرساله في الحديث اكتشفت أنه يهتم بالأمر منذ فترة، وسعى كثيرا ليكون ضمن طاقمه معلم أو معلمة متخصصة.

وشكلت الإدارة مع المعلمة فريقا رائعا، بدءا من الأسرة، فكل أسبوع تقدم المعلمة محاضرة توعية للأهل لدمجهم في عملية التعليم، وتوضيح احتياجات التعامل مع الأطفال ذوي صعوبات التعلم، وكيفية تحفيزهم ومساعدتهم على الدراسة، كما أنها تقدم تدريبا متخصصا مستمرا للمعلمين في كيفية التعامل مع الطلاب الذين يعانون من صعوبات التعلم في الصف ودمجهم ضمن الحصص العادية، و تنفذ بالتعاون معهم استراتيجيات تعليمية متخصصة، وتقدم تقريرا دوريا مفصلا عن حالة كل طالب منهم، مدى التقدم الذي أحرزوه وما أهم العقبات والمشاكل التي تواجههم وما إلى ذلك، في كثير من الأحيان، يقول المدير، نستدعي أهل الطفل على حدة ونناقشهم في ذلك إذا لمسنا منهم تقصير أو عدم تعاون.

إسراء الطالبة المتدربة في تلك المدرسة، كانت الوحيدة ضمن متدرباتي التي لم تتجاهل الطلاب ذوي الصعوبات في التعلم، في المراحل الأولى للنشاط دمجتهم ضمن المجموعات مع الطلاب الآخرين ، كانت وظيفتهم أن يجمعوا رسومات الطلاب الآخرين في المجموعة على اللوحة ويقومون بعرضها ذاكرين أسماء الأجزاء في الصور، وعند التقويم كانت قد أعدت لهم ورقة عمل خاصة تعتمد على الصور أكثر من الكلمات.

  أجمل ما في الأمر، عند مروري بجوار غرفة المصادر وأنا مغادر، كانت تصدح بالموسيقى وضجيج الأطفال...تلك فعلا كانت حالة متميزة وفريدة.

سارة أحدى طالباتي، بحكم تخصصها الأصلي في مجال علم النفس، عملت لفترة كمرافقة مدرسية لأحد الطلاب الذين يواجهون صعوبات في التعلم، الأهل مستواهم المادي مرتفع نوعا ما والمدرسة خاصة ذات مصروفات عالية، إلا أن سارة واجهت صعوبات جمة في عملها جعل من استمرارها أمرا عسيرا، فقد واجهنها المعلمات الأخريات منذ البداية بعدائية، على الرغم من اعترافهم بصعوبة التعامل مع الطفل، إلا أنهن رفضن التعاون معها، باعتبارها دخيلة على عملهن،

في تقريرها لذويه بعد أكثر من شهر من العمل معه، أوضحت سارة أن الطفل يفتقد إلى التقبل من المعلمات، لم يقدمن له الدعم المطلوب ولا مارسن معه استراتيجيات تعليمية سليمة، كانت البيئة المدرسية معادية له، وبالتالي كان مضايقته لزملائه أثناء الدروس أو بينها هو رد فعل.

ندى، لم أشرف على تدريبها في التربية العملية، لكنها درست معي مقرر آخر، تكنولوجيا التعليم، وفي الجانب العملي قامت بتصميم طاقم تعليمي لمهارات القراءة الأساسية لذوي صعوبات التعلم، ومن خلال حواري معها اكتشفت أنها خلال التربية العملية لاحظت الوضع المتردي للطلاب ذوي صعوبات التعلم في المدرسة، وهكذا، بدون أي إعداد أو تأهيل مسبق، قررت التطوع للتدريس "كمعلم مساند"تحديدا لهذه الفئة من الطلاب، لمحت بين ثنايا كلماتها تلك اللهجة المميزة عندما يتحدث المرء عن قضية هو مؤمن بها، لذلك اقترحت عليها أن يكون ذلك هو موضوع بحث التخرج،

كان دافعها الأساسي للعمل متطوعة للطلاب الذين يعانون من صعوبات التعلم، هو إهمال المعلمات لهم من جهة، وعدم معرفتهم بالأساليب اللازمة للعمل معهم من جهة أخرى، وربما يكون هذا هو سبب عدم تركيزهم معهم، وفي كثير من الأحيان تجهل المعلمات التشخيص الحقيقي لوضعهن، ويوجهن اللوم للطلاب أنفسهم، ويتهمنهم بالإهمال وعدم الاكتراث بالدراسة
تم اختيار مجموعة من طلاب الصف الرابع الذين يعانون من صعوبات التعلم في مجال الرياضيات في مجال الرياضيات ، كشف الاختبار التشخيصي عن ضعف شديد  للأطفال في مهارات الجمع والطرح، عدم القدرة على التعرف على منازل الأعداد، الخلط بين الجمع والطرح، عدم القدرة على حفظ جدول الضرب، وبالتالي اخفاق في تعلم مهارات القسمة، في محاولة اعداد برنامج تأهيلي لهم خلال شهر واحد تمهيدا للاختبار الوزاري الموحد، فشلت ندى فشلا زريعا، حددت مشكلتها في أنها مازالت لم تتجاوز أسلوب المعلمة التقليدية.

في اطار بحثها لحلول لهذه المشكلة، وجدت ندى ضالتها في "المنهاج المونتيسوري"، بحثت عن كل ما يتعلق به، فوجئت بقلة الموارد باللغة العربية حول هذا المنهاج وندرة المختصين فيه، في مقابل سيال المصادر المكتوبة والمرئية باللغة الانجليزية، والوفرة الهائلة في المواقع والمنتديات التي توفر التدريب في هذا المجال للآباء والمعلمين الجدد، انتسبت إلى مجموعة من المنتديات المتخصصة كذلك عبر الشبكات الاجتماعية، وبدأ كل همها في تشرب هذه المنهجيات.

وبناء عليه، ومع اصرارها أن يكون ذلك هو موضوع مشروع التخرج، قامت بدراسة سجلات الطلاب في المدرسة، ومقارنة نتائج الطالبات، ومقابلة عدد كبير منهن، وملاحظتهن أثناء الدروس المختلفة، استقرت في النهاية على اختيار خمسة عشر طالبة، تعاني من تدني في مستوى التحصيل، مع اختلاف في مدى الضعف وأسبابه، فمنهن من تعاني من ضعف في القدرات العقلية، أو الاتجاهات السلبية تجاه الرياضيات، أو قلة الدافعية، إلا أنهن جمع بينهن جميعا افتقاد شبة تام للمهارات الرياضية الأساسية.
لم تكن اللغة الانجليزية العائق الوحيد أمامها، وإن كانت تغلبت عليه ببذل مزيد من الجهد، المكان المناسب لتقديم هذه المنهجيات شكل عائقا أيضا، ففي مقابل التزمت الكامل للمعلمين والمعلمات في الالتزام بشكل الصفوف التقليدي، يعتمد المنهج المونتيسوري على الجلسات الطبيعية غير المتكلفة على الأرض، وهكذا شكلت أرضية المكتبة "ساحة المعركة التعليمية"، لتوافر سجادة كبيرة على الأرض، قامت بتقسيمها لمناطق مختلفة لتوفر لكل طالب منطقته الخاصة

مشكلة أخرى وهي توفر الأدوات التعليمية اللازمة، فالوسائل المطلوبة غير موجودة بالمكتبات، وشرائها عبر الانترنت يمكن أن يدمر ميزانيتها لسنين، كان الحل هو تصميم وتنفيذ الوسائل يدويا، وبالاستعانة بنجار محترف، وتوفير كم كبير من الخرز والعيدان الملونة والدوائر الزجاجية، وكل ما وقع تحت يديها من خامات بيئية تم تعديلها اللوحات والصناديق والأوعية والألواح المطلوبة، أخيرا أصبحت ندى تمتلك عدتها

هل قلت "معركة"؟ أظنني أخطأت التعبير، بل هو "مهرجانا تعليميا"، عشرات الألعاب والمسابقات شكلت بيئة مرحة واحتفالية للتعلم، تقول ندى أن كل ما كن يحتجن إليه هو بعض الاهتمام والمزيد من الوقت، كان ذلك تعقيبها لمديرة المدرسة حينما فوجئت بالتقدم المتسارع في مستوى الأطفال، شيئا فشيئا تحول الفشل السابق في تاريخهم التعليمي إلى تطور مطرد لمهاراتهن، تكتب ندى تحت عنوان "معجزة مرح":
                "قال مرح: أنا لا أجيد الطرح ولن أجيده في يوم من الأيام، تحدثت معها حول أهمية التفكير الايجابي، وضرورة أن نقنع أنفسنا بأننا قادرون للتغلب على المشكلات التي تواجهنا، واتفقنا على أن تقف كل يوم أمام المرآة وتردد (الرياضيات ممتعة وسهلة، وأنا طالبة مجتهدة واستطيع أن أتعلم كل شيء)، ووعدتها أنه خلال أسبوعين ستتغلب على تلك المشكلة إذا ما قامت فقط بالمهام المطلوبة منها، وفعلا خلال أسبوعين استطاعت اثنتي عشرة فتاة من المجموعة أن تجاوز مشكلتهن مع الطرح، وحصلت مرح على علامة ممتازة"

وبمرور الوقت اكتشفت ندى أنها بحاجة لوقت أطول من المقرر سلفا، ساعدها دعم المشرف على بحث التخرج في الحصول على الوقت الكافي لتجربتها، إلا أنها بالنهاية استطاعت فعلا أن تحقق نقلة نوعية في إتقان الطالبات لمهارات الجمع والطرح والضرب والقسمة، بل وتغيرت اتجاهاتهن نحو دراسة الرياضيات بشكل إيجابي، وأكدن أنهن أصبحن يستمتعن بالمسائل الرياضية التي تشكل تحديا لقدراتهن.

ليس هناك أمور جيدة سهلة في الحياة، لكن أيضا لا يوجد مستحيل، استطاعت ندى خلال أقل من شهرين أن تتجاوز هذه العقبات مع معظم طالبات مجموعتهاـ أصبح مستواهن في مستوى طلاب صفهن، إلا إنهن مازلن بحاجة للمزيد من الاهتمام للتأقلم مع خبرات الصفوف الأعلى، وتواصل ندى عملها التطوعي في المدرسة، إلا أنها بالتأكيد ليست قادرة على حل كل مشاكل الفتيات، يحتاج الأمر إلى المزيد من المعلمين والمعلمات في كل مدارسنا، المؤمنين برسالتهم وضرورة وصولها إلى كل الطلاب.



أول دروسي باستخدام "التعلم القائم على المشروعات" : التعلم من طلابي

$
0
0
باعتباري "مبتكرة تعليمية"في مديريتي التعليمية، تم تكليفي بتنفيذ التعلم القائم على المشروعات في صفي، وكمعلم جديدي، مازلت في عامي الثاني للتدريس للصف الخامس، كنت متوترة ومنفعلة خلال هذا المشروع.

المشروع
سعيا لتحقيق الغرض من التعلم القائم على المشروعات، وهو أن يمتلك المتعلمون معرفة عميقة من خلال استكشاف مشكلات العالم الواقعي، طورت مشروعا لطلاب الصف يركز على مشكلة لاحظتها في العام السابق، هدر المخلفات في الصف، سلة القمامة وصندوق المهملات المخصص للتدوير يفيضان يوميا، مع عدم التمييز بينهما، يقوم الطلاب بانتظام بإلقاء قطع الورق نصف المستخدمة وأقلام بحالة جيدة والطعام الذين لا يريدونه، تلك مشكلة أثرت علي وعلى طلابي، وتمنيت أن تكون مشكلة تشغل حيز من اهتمامهم كما هي بالنسبة لي.

ومع هذه الفكرة في رأسي، طورت وحدة تعلم قائم على المشكلات لاستكشاف هدر المخلفات وتأثيرها على المجتمع والكوكب، والطرق المختلفة التي يمكن لنا من خلالها كصف أن نقلل هذا الهدر  في الصف، وبعد فاعلية تمهيدية، قام الطلاب خلالها بتصنيف المخلفات في حجرتنا، وحضور الأفلام وقراءة المقالات، والمشاركة في حلقات تعليمية على سكايب حول هدر المخلفات للتعلم أكثر حول الموضوع.

وبعد ذلك أعلنت تساؤل البحث لطلابي "كيف يمكن أن نقلل هدر المخلفات في حجرتنا الصفية؟"، ومن خلال هذا السؤال قام الطلاب على شكل جماعات بتعديل مجال تركيزهم من خلال مناقشة مشاكل محددة تتعلق بهذا السؤال، المشكلات التي اختاروها تضمنت إلقاء الطلاب للطعام غير المستهلك، استخدام زجاجات بلاستيكية للماء بدلا من الزجاجات القابلة للملء وإعادة الاستخدام، وإلقاء الأوراق بدلا من محو الأخطاء، كان هدفي هو أن يقوم الطلاب بالتفكير بطريقة أكثر نقدية، حول أسباب الهدر في الصف، واستهداف هذه الأسباب من خلال المشروع.

ومن ثم قام الطلاب بالتركيز على مشكلاتهم وإجراء بحث لتطوير خطة لتقليل الهدر، ومن خلال التعاون مع مؤسسة سان فرانسيسكو للأفلام، قاموا بإنتاج أفلام تعليمية موجهة للمدرسة والمجتمع عن الخطة التي طوروها.

العملية
يمكنني القول أن الكثير من الوحدة المخططة جاءت وفقا للمخطط، وذلك يرجع لسبب رئيس وهو المحددات التي وضعتها على الطلاب، "تكلم واختر"حيث كان لكل طالب المجال لاختيار نوع الهدر أو المخلفات الذي سيعمل عليه، وإذا ما كان مشروعهم النهائي فيلم سردي أو توثيقي.

لقد وضعت هذه المحددات خوفا من فقدان السيطرة مع كبر حجم الصف، ولعدم توفر الموارد أو الوقت أو الدعم الفردي ، الذي يسمح لكل مشروع أن ينمو ويصبح أكثر من المجال المخطط له،  لقد اخترت التركيز على التعاون باعتباره المهارة التي يمكنني مساعدتهم على تطويرها وبناء مهاراتهم، لقد رأيت تحديدا بعض الطلاب يكافحون من أجل إدارة المجموعات، حتى مع مجموعة لديهم درجة عالية من الاستقلالية والإحساس بالمسؤولية، ظل صنع القرار والتخطيط ومشاركة المهمات تشكل تحديا حقيقيا لهم.
طوال المشروع، بدءا من التخطيط وحتى الانتهاء من إنتاج أفلامنا، لقد اعتمدت بقوة على تأمل طلابي والعودة إلى الأفكار مرة أخرى، لقد قمت بتصميم منظم تخطيطي ليقود بحث الطلاب، وأدركت خلال العمل على المشروع أن هذا المنظم  لم يركز بشكل كافي على مشاريع طلابي الفردية، ولكن على الهدر والمخلفات بشكل عام، وبعد مناقشة مع زملائي قمت بمحو المنظم التخطيطي، وتركت المجموعات البحثية لتقود أبحاثها بذاتها، سواء من خلال الاطلاع على الكتب أو الانترنت، كان يلزمني أن أكون أكثر ثقة أنهم قادرون على أن يكونوا منتجين بدون هذا الدعم.

النتيجة

هل كان خبرتي الأولى للتدريس عن طريق المشروعات ممتازة؟ قطعا لا، هل سأقوم بتكرارها؟ بدون شك

على الرغم من أن خوفي من فقداني السيطرة  قيد المشروع، فقد ظل طلابي منخرطين وقادرين على العمل على المهارة الهامة التي تمنيت أن يتعلموا ممارستها: التعاون، في المرات القادمة سأترك المجال لطلابي لتحديد مجال التركيز وإيجاد المشكلة بأنفسهم (أو أقودهم إلى ذلك) والتي يهتمون بها أكثر من غيرها، يجب أن أثق بنفسي أكثر قليلا من خلال ثقتي بطلابي وقدرتهم على الاختيار والتوجيه لمهامهم البحثية.

حينما أتحدث مع طلابي وأتأمل معهم، يمكنني أن أرى أن كل منهم كان قادرا على إيجاد شيء ممتع في هذا المشروع، البعض منهم أسعده القيام بمجهود بحثي على أجهزة الحاسوب النقالة، البعض أسعده العمل اليدوي على المخلفات، أحد الطلاب ركز جهده على كتابة أغنية لفيلم مجموعته، أفضل شيء فيما يتعلق بهذه الخبرة هو رؤية طلابي يتميزون في الأشياء التي يستمتعون بها، وإعطائهم الفرصة لمشاركة مواهبهم مع أقرانهم، التحدي الشخصي لي سيكون شحذ هذه المهارات في المشروع القادم، والبحث أعمق وإيجاد طرق ذات معنى لفهم المحتوى.

كاتبة المقال: Katie Spear

رابط المقال الأصلي: http://www.edutopia.org/blog/first-pbl-learning-from-students-katie-spear







اليوم الخامس: عن مهارة التصنيف

$
0
0

كثيرا ما يوجه لي السؤال من طلابي والمعلمين حول أيهما أفضل، الوسائل اليدوية التي يستخدمها الطلاب بأيديهم، أم الوسائل الالكترونية التي توظف الامكانات التقنية، ويتوقع الجميع أن أميل إلى النوع الثاني بحكم خبرتي الطويلة في إدارة أنظمة التعليم الالكتروني والتدريب على توظيف التقنيات في التعليم، دائما ما كانت إجابتي هي أن الوسيلة الأفضل هي التي تخرج الطالب من دائرة السلبية إلى دائرة الفعل، والتي تحول المعلم من البطل الوحيد إلى المتابع.

في العديد من المرات وجدت المعلمين يستخدمون جهاز العرض من الحاسوب، لعرض نسخة الكتاب على الحائط أمام الطلاب، أو حتى يستخدمون عرض تقديمي عليه نفس المعلومات والصور الواردة في الكتاب، أوجه لهم السؤال حول التكلفة المادية لجهاز الحاسوب وجهاز العرض، وكم من الوقت استغرقه عمل العرض، ليقدم لهم في النهاية نفس النتيجة؟ الكتاب بين أيديهم لماذا اتكلف كل هذه المشقة؟ البعض يجادل والبعض الآخر لا يعرف.إذا ما الحل؟ هل الوسائل اليدوية إذا أفضل؟

مرة أخرى..الوسيلة الأفضل هي الوسيلة التي يستخدمها الطالب ليخرج منها بمعرفة جديدة، ولكن ما علاقة هذا بمهارة التصنيف؟

تعد مهارة التصنيف أحد المهارات العقلية الهامة، التي تساعد الإنسان على تخزين المعلومات والتمييز بينها بشكل أفضل، وتعوده على بناء المعايير وتنقيحها واستخدامها في اطلاق الأحكام العقلية، والتمييز بين المناسب وغير المناسب، واكتشاف أوجه الشبه والاختلاف، وفحص الصفات ذات العلاقة والتمييز بين الصفات الأصلية والثانوية، والربط بين المفاهيم والأفكار المختلفة، وهي كلها خصائص أساسية للتفكير العلمي، ومثل أي مهارة أخرى  بحاجة للتدريب عليها.

أحد المناسبات الهامة هو الدروس المتعلقة بتصنيف الكائنات الحية، واعتبره أحد الدروس المفصلية لنمو عقل المتعلم، لأنه يؤسس لرؤيته الخاصة للكائنات الحية جيراننا في الكوكب من جهة، وعليه يرتكز كذلك اتجاهاته نحو علوم الأحياء والطبيعة والبيئة، كما أنها فرصة هامة لممارسة مهارة التصنيف وتطويرها على مدى زمني واسع،هو عدد الحصص المخصصة لهذا الدرس على امتداد سنوات دراسية مختلفة، لكن المشكلة تكمن في طريقة تقديمنا لهذا الدرس، حيث تُضيع طرق التعليم التلقنيي على الطلاب فرصة هامة لممارسة مهاراتهم وتحقيق النمو العقلي، أي أن التعليم التقليدي يتعدى هنا حدود عدم فائدته للمتعلم، ليتحول إلى أداة لإحداث الضرر أو الحد من نضجه العقلي.

تنبهت لهذه المقارنة خلال تقييمي لدرسين في نفس الأسبوع حول نفس الموضوع، تصنيف الكائنات الحية أو الممالك الحيوانية، كانت الحصة الأولى لطالبة أجلها كثيرا، أم لخمس أطفال وتعمل معلمة بالأصل، حاصلة على بكالوريوس في الأحياء وتدرس للحصول على مؤهل تربوي، قدمت الحصة في قاعة العرض، حيث قدمت من خلال الحاسوب الكثير من الصور المتنوعة للكائنات الحية، والعديد من الأمثلة على كل منها، وشرحت لهم بالتفصيل كل المعلومات الواردة بالكتاب، وعقب شرح كل جزء كانت تسأل مجموعة من الأسئلة عن معلومات الدرس، لفت انتباهي تحديدا السؤال التالي:
-          ما هو شكل السمكة؟
لم يجب أحد من الطلاب أو يتطوع لرفع يده
-          لقد درستم هذه المعلومة تحديدا في العام الماضي؟
-          مستطيل؟
-          لا، اجابة خاطئة...ـأي اجابات أخرى؟
صمت
-          انسيابي!!! كيف يمكن لكم أن تنسوا هذه المعلومة؟!!


من هذه النقطة انطلقت في نقاشي معها، لماذا برأيك لم يتذكر الطلاب هذه المعلومة؟ حاولت التبرير بدون فهم لما اقصده، لم يتذكروها لأن معلمة العام الماضي استخدمت نفس الطريقة عرضت الدرس بدون ربط للمعلومات بالواقع، حفظها الطلاب حتى الامتحان ومن ثم لم يعد لها فائدة بعد ذلك فتوارت في متاهات الذاكرة، لم تعد على السطح، اعدت السؤال، لماذا اعتبرت أن الاجابة (مستطيل) خاطئة؟ لأن جسد السمكة ليس مستطيل بل انسيابي، هل يمكنك أن تريني الفرق بينهما؟ تناولت ورقة وقلم وقامت برسم المستطيل، ثم قامت برسم جسد السمكة الانسيابي داخله، حسنا لو قمت بعمل ذلك مع الطلاب لترسخ المفهوم في أذهانهم بشكل أفضل، من الجيد دائما الاعتماد على أخطاء الطلاب لتقريب المفاهيم إلى أذهانهم.

انتقلت بعد ذلك إلى طبيعة الدرس، بدأت أسألها عن وقت الحصة كم استغرقت هي منه وكم استغرق الطلاب، وما كم المجهود الذي بذلته في مقابل المجهود الذي بذله الطلاب؟ بالتأكيد أن من يبذل مزيد من الجهد هو من يتعلم أكثر، فإذا كان جهد الطالب لا يقارن بما يبذله المعلم ذاته، فلا يمكن أن نحكم بأنه قد تعلم، هل تعتقدي أنهم استمتعوا بالدرس؟ نعم لقد كانوا صامتين تماما خلال الشرح، الصمت لا يعد دليل على المتعة، ربما في هذا الموقف هو دليل على النعاس مثلا، لكنهم كانوا يجيبون على كل أسئلتي، نعم يجيبون عليها مما رددتيه عليهم قبلها بلحظات ، هذا دليل على الاستظهار وليس الانتباه.لننتقل إلى السؤال الأهم، ما هي المهارات التي تطورت عندهم بناء على الحصة؟ كان هذا دورها لتصمت.

كل الاجابات على هذه الأسئلة وجدتها في حصة "وفاء"، كان ذلك أول عهدها بالعمل المدرسي، كانت دائما شغوفة بالتعلم النشط واساليبه ووسائله، وطرق بناء المتعلم للمعرفة، وعلى اقتناعي بتميزها توقعت أن تقف قلة خبرتها وصغر سنها عائقا أمام تحقيق ما تصبو إليه، لذلك لم اتوقع منها الكثير.

كانت حصة "وفاء"عن تصنيف الكائنات الحية أو الممالك الحيوانية تعتمد على اللوحات اللاصقة، حيث قسمت الصف إلى فرق وقدمت لكل فرقة لوحة لاصقة وبطاقات باسم كل مملكة (ثدييات، طيور، زواحف.......) ومجموعة متنوعة لصور متنوعة من الكائنات الحية لكل تصنيف، واسم الحيوان أسفل الصورة، الصور بعضها متشابه وبعضها مختلف بين فريق وآخر، ثم طلبت منهم أن يقوموا بتصنيف الصور وفقا للممالك الموجودة على البطاقات الخاصة بهم، بعد انتهاء ذلك طلبت من كل مجموعة أن تعرض أمام المجموعات الأخرى، بينما تقوم المجموعات الأخرى بالتصحيح،إذا كان التصنيف غير صحيح، مع مشاركتها وتدخلها أيضا من حين لآخر، وبالرغم من أنها رسمت طريقة محددة للعرض (اسم المملكة، ثم الحيوانات التي تنتمي إليها، مع الإشارة إلى كل صورة لتوضيح الفئة التي تنتمي إليها) إلا أنها كانت تسمح لهم بالخروج عن الطريقة لذكر معلومة (مثل خبرة سابقة له أو مشاهدته في برنامج تلفزيوني) أو السؤال عن الحيوانات الغريبة.


انتقلت بعد ذلك إلى ورقة عمل يحاول كل فريق من خلالها أن يستنتج خصائص كل فئة من خلال الصور وخبراتهم السابقة، وبعد ذلك عرضها والنقاش حولها، وبنهاية الحصة قامت بإعادة تقسيم الفرق إلى فرق أصغر، وطلبت من كل منهم أن يقوم باختيار أحد الممالك، وتجهيز عرض حولها لتقديمه أمام الصف في الأيام التالية.

يمكن أن أقول أن ذلك هو تطبيق لتوظيف دروس المنهاج من خلال التعلم النشط في صقل معارف الطلاب وتعميقها، من خلال ممارستهم للمهارات العقلية العليا.المحصلة أنك لن تصيب أبعد مما تهدف إليه، فإذا كان تركيزك على حفظ الطلاب للمعلومات،فيكفي أن تعيد عليهم المعلومات مرارا وتكرارا ليستظهروها، استخدام الصور في العرض قد يحسن عملية الحفظ، أما إذا ما كنت ترغب في ممارسة دورك الحقيقي كمعلم، فيجب عليك أن توفر الأنشطة والسياقات التي ينشط الطلاب من خلالها لشحذ مهاراتهم وتحقيق أقصى امكاناتهم.


الخطوة الأولى....إنشاء مدونة

$
0
0
بإنشائك مدونة تعليمية تكون قد خطوت خطوة جادة وقوية نحو احتراف عالم التعليم الالكتروني، منذ الآن أصبحت منتج للمعرفة وليس مكتسبا لها فقط، إليك بعد الأمور التي يجب أن تفكر بها قبل أن تنطلق في عملك:
  1. اختر صوتك: هناك ألاف المدونات عبر الانترنت، منها التعليمي والترفيهي والإخباري وغيرها، ما يميزك كمدون عن الآخرين هو ما تمتلكه من معرفة، وما تطرحه من موضوعات وكيفية طرحك لها، حاول دائما أن تكتب بأسلوب الخاص وتعبيراتك المميزة، انتقي موضوعات لا يطرحها الآخرين، أو اطرحها من وجهة نظر جديدة
  2. اختر اسما مميزا وشيقا: من أهم العناصر التي تجذب الآخرين لمدونتك هو أسمها، يجب أن يكون الاسم معبرا عن طابع المدونة وموضوعاتها، وفي النفس الوقت معاصرا وجذابا، ابتعد عن الأسماء الدارجة والشائعة والتقليدية (لكن لا تجعل اختيار الاسم يعطلك، يمكنك مبدئيا أن تسميها باسمك حتى تتوصل للاسم المناسب)
  3. كن نفسك: لا تقلد الآخرين ولا تقوم بالنسخ واللصق أبدا، يجب أن تؤمن أنك تملك أفكارا أصيلة غير متكررة، قد تحتاج لبعض الوقت حتى تتمكن من التعبير عنها بالشكل الأمثل، لكنك في النهاية ستمتلك تلك القدرة ما دمت تحاول، هذا هو ما يميزك وهذا هو ما يجب أن تحافظ عليه
  4. المحتوى هو الأهم: لا تكترث كثيرا في البداية لتصميم المدونة والشكل الفني لها، تذكر دائما أن ما يجذب الناس لمدونتك هو ما تطرحه عليها من أفكار وموضوعات، اجعل تطوير المحتوى وإثراءه محل تركيزك، وستأتي كل الأمور والتحسينات الأخرى تباعا ومن تلقاء نفسها
  5. فكر في جمهورك: التدوين هو نشر أفكارك للآخرين، فكر فيما يحتاجون إليه حقا وكيف يمكنك أن توصله لهم بأيسر السبل، عندما تنشر عبر الانترنت فأنت تتخطى حدودك كمعلم المحصورة في طلابك المباشرين إلى آفاق جديدة، عندما بدأت النشر على هذه المدونة كنت استهدف بها طلابي في الجامعة، وشيئا فشيئا بدأت في الانتشار، بعد عدة أشهر تقريبا بدأت أتلقى زيارات محدودة من بعض الدول العربية، الآن بعد سنتين اتلقى شهريا عدة آلاف من الزيارات من جميع أنحاء العالم...ما الحكمة؟ لا تستعجل المشاهدات ولا الضيوف ولا التفاعل مع المدونة، طالما تقدم محتوى جيدا وتخاطب جمهورك بما يحتاجونه ويناسبهم، فتأكد أنهم سيصلون إليك، ستذكر أن هناك عشرات الاستخدامات للمدونة في عملية التعليم سنستكشفها معا، ويمكنك أن تجربها جميعا.


والآن اترككم مع الدرس الأول والفيديو الأول....برجاء لا تتردد في التعليق، أي تساؤل أو ملاحظة أو استفسار هي محل ترحيب دائما..

صحيفة لتأمل الطالب ...... خاص بطريقة التعلم القائم على المشاريع

$
0
0

فيما يلي قائمة بالأسئلة التي تساعد الطالب على التأمل في تعلمه، ويعمق هذا التأمل محتوى التعلم من معلومات ومهارات بشكل أعمق...سؤال للمعلمين، كيف يمكن تطبيق هذه الصحيفة في غرفة الصف؟

النظر للخلف
1.       كم كنت تعرف عن الموضوع قبل أن نبدأ فيه؟
2.       ما الاجراءات التي اتبعتها للوصول إلى هذا الناتج؟
3.       هل قمت بعمل مشابه لذلك من قبل (في الصف الحالي أو الصفوف السابقة، في المردسة أو خارجها)؟
4.       كيف تصف تحسنك في أداء هذا النوع من الأعمال؟
5.       بأي الطرق تظن أنك بحاجة لتحسين مهاراتك؟
6.       ما العقبات التي واجهتك أثناء عملك على هذا المنتج؟ وكيف حللتها؟
7.       ما المصادر التي استخدمتها خلال عملك على هذا المنتج؟ أيها بالتحديد كان أكثر فائدة؟ أيها يمكنك استخدامه مرة أخرى؟
8.        هل هناك قصة يمكنك سردها خلف هذا العمل؟
النظر داخليا
1.       كيف تشعر تجاه هذا المنتج؟ أي الأجزاء تحديدا تحبها أو لا تحبها؟ لماذا؟ ما الذي جعل العمل عليه ممتعا؟
2.       ما أكثر شيء يشعرك بالرضى عن ذاتك سواء في الآلية التي اتبعتها أو فيما انتهيت إليه؟
3.        ما الجزء الذي شعرت تجاهه بالأحباط؟
4.       ما هي معايير العمل التي وضعتها ازاء هذا المنتج؟
5.       هل حققت هذه المعايير؟
6.       ما كانت أهدافك من العمل على هذا المنتج؟ هل تغيرت أهدافك خلال عملك عليه؟ هل تحققت هذه الأهداف؟
7.       ما الذي يخبرنا هذا المنتج عن سماتك كمتعلم؟
8.       ما الذي تعلمته عن نفسك من خلال العمل على هذا المنتج؟
9.       هل تغيرت أيا من أفكارك التي عملت عليها لهذا المنتج؟
10.    هل يمكنك مقارنتها بأي من أعمالك السابقة؟ من خلال المقارنة، ما الذي يمكن أن يكون قد تغير؟
11.    كيف حدثت هذه التغيرات؟
12.    ما الذي يخبرك به ذلك عن ذاتك وعن طريقة تعلمك؟
النظر خارجيا
1.       هل قمت بعملك بالطريقة التي يقوم بها آخرون؟
2.       بأي شكل كان عملك مختلفا عنهم؟
3.       بأي شكل كانت اجراءاتك أو منتجك مشابه لهم؟
4.       لو كنت أنت المعلم، ما الملاحظات التي يمكن أن تبديها عن عملك؟
5.       ما التقدير الذي تقيم نفسك به؟ ولماذا؟
6.       ما الشيء الذي ترغب أن يلاحظه الناس عندما يتطلعون إلى عملك؟
7.       ما الشيء الذي لاحظه زملائك تحديدا عندما تطلعوا إلى عملك؟
8.       بأي طريقة يحقق منتجك المعايير الموضوعة لهذه المهمة؟
9.       وبأي طريقة لا يحققها؟
10.    ما الذي يمكن للآخرين أن يعرفوه عنك من خلال مشاهدتهم لعملك؟
النظر إلى الأمام
1.       أهم ما يجب أن أقوم بتطويره هو.....
2.       لو أتيح لك أن تقوم بعمل هذا المنتج مرة أخرى، ما الذي ستقوم بتطويره؟
3.       ما التغيير الذي ستقوم به فعلا بعد مراجعتك لهذا المنتج؟
4.       ما الاجراء أو الجانب الذي لاحظته في عمل زملائك وترغب بتجربته في المرات القادمة؟
5.       ما الشيء الذي ترغب بتطويره بناء على مشاهدتك لمنتجك؟
6.       ما الهدف الذي ستحدده لنفسك في المرات القادمة؟
7.       ما الشيء الذي تظن أنك ترغب في العمل عليه فترة أطول في المدرسة؟
8.       ما الشيء الذي ترغب في أن يعرفه المعلم في السنة القادمة عنك (ما الأشياء التي تبرع فيها؟)
9.       ما الأشياء التي تظن أنك بحاجة للمساعدة فيها؟
10.    ما الأشياء التي ترغب في عرضها على معلمك العام القادم ليفهم ما تقصده؟


التعلم القائم على المشروعات في مقابل التعلم على المشكلات

$
0
0
قمت أنا وزملائي في مؤسسة بوك للتربية  Buck Institute for Educationباعداد قائمة للأشكال المختلفة من "التعلم القائم على....."والتي صادفناها خلال الأعوام الماضية، مثل:
·        التعلم القائم على دراسة الحالة
·        التعلم القائم على التحدي
·        التعلم القائم على المجتمع
·        التعلم القائم على التصميم
·        التعلم القائم على اللعب
·        التعلم القائم على الأرض
·        التعلم القائم على الشغف
·        التعلم القائم على المكان
·        التعلم القائم على المشكلات
·        التعلم القائم على المهارة
·        التعلم القائم على الخدمة
·        التعلم القائم على الاستوديو
·        التعلم القائم على الفريق
·        التعلم القائم على العمل
وأخيرا وليس آخرا الموجة الجديدة:
·        التعلم القائم على الموتى الأحياء Zombie-based learning (إذا كنت لا تصدق يمكن البحث عنه)

حسنا لنحاول تنظيم ذلك..

إن مصطلح "التعلم بالمشروعات"ينبع من أعمال جون ديوي والذي يمكن أن نعود به إلى أصوله لدى ويليام كيلباتريك، والذي استخدم المصطلح لأول مرة عام 1918، ونحن نرى التعلم القائم على المشروع كتصنيف واسع يمكنه، طالما كان المشروع في القلب منه، أن يأخذ عدة أشكال أو يتكون من:

-          تصميم أو إنتاج منتج واقعي ملموس أو أداء أو حدث
-          حل مشكلة واقعية أو محاكاة أصيلة لها
-          فحص موضوع أو مشكلة لتطوير إجابات لأسئلة مفتوحة
وطبقا لهذه الخيمة الواسعة للتعلم القائم على المشروع، فإن التعلم القائم على المشكلات أو التحدي أو التصميم ما هي إلا تطبيقات حديثة لنفس المفهوم، وكلها إلى هذه الدرجة أو تلك تحمل الخصائص الأساسية للتعلم القائم على المشروع، على الرغم من أن لكل منها نكهتها الخاصة، واافة إلى ذلك، فكلها بما فيها التعلم القائم على المشروع تنتمي لمجال أو تصنيف اوسع، وهو التعلم القائم على التساؤل  inquiry-based learning، والذي يتضمن بالاضافة إلى ذلك، المشاريع البحثية والتحقيقات العلمية والمحاضرات السقراطية والنقاشات المبنية على نصوص.

أما الأشكال الأخرى من "التعلم القائم على...."تسمى بذلك لاعتمادها على سياق محدد للتعلم، مثل مكان محدد أو نمط معين من الأنشطة، ربما تحتوي في جوانب منها على مشروع أو بعضا من خصائصه الأساسية، ولكن ليس بالضرورة، على سبيل المثال التعلم القائم على المجتمع أو الخدمة، تحتوي على خبرة حيث يقوم الطلاب بممارسة مشروع يمكنه تطوير البيئة المحلية أو خدمة الأفراد فيه، ولكنه قد يحوي أيضا نشاطات لا تنمتي إلى المشروع، وعلى العكس، قد يكتسب الطلاب معارف ومهارات من خلال التعلم القائم على اللعب أو التعلم القائم على العملـ بالرغم من كونها لا تتضمن أيا مما يمكن أن ندعوه نمط التعلم القائم على المشروع.

التعلم القائم على المشكلة في مقابل التعلم القائم على المشروع.

ربما لأن لكليهما نفس الاختصار  (بالانجليزية) PBLكثيرا ما نتلقى أسئلة حول أوجه التشابه بينهما، وكثيرا ما نتساءل نحن أيضضا عن ذلك، منذ بضع سنوات انشأنا وحدة للمدارس الثانوية لدراسة الاقتصاد والحكومة سميناها وحدة قائمة على المشكلات، ولكننا غيرناها بعد ذلك لدراسة الاقتصاد والحكومة القائم على المشروعات، لتوضيح التضارب حول أي نوع من التعلم نستخدم.

لقد قررنا أن التعلم القائم على المشكلات يندرج تحت التعلم القائم على المشروعات، وعلى الرغم من أن الكثير من المعلمين يؤطر التعلم القائم على المشروعات بأنه "حل لمشكلة قائمة"، إلا أن التعلم القائم على المشكلات ليس له تاريخه المستقل، وكذلك ليس له اجراءات (خطوات) محددة ونموذجية كما هو في الأشكال الأخرى من المشروعاتـ فاستخدام دراسات الحالة والمحاكاة كمشكلة، يعود للمدارس الطبية في ستينيات القرن العشرين، ومن الشائع أن يستخدم التعلم القائم على المشكلات بشكل أكبر في التعليم العالي، بينما التعلم القائم على المشروعات شائع أكثر في المدارس.

بشكل مثالي يتبع التعلم القائم على المشكلات الخطوات التالية:
1.       عرض لمشكلة ضبابية أو مفتوحة النهاية (غير محددة بدقة)
2.       تحديد أو صياغة المشكلة (صياغة المشكلة)
3.       توليد "جرد معرفي" (تصميم قائمة بما نعرفه عن المشكلة، وما نحن بحاجة لمعرفته عنها)
4.       توليد للحلول المحتملة.
5.       صياغة قضايا التعلم سواء للتوجيه الذاتي أو مع وجود موجه
6.       نشر النتائج والحلول.

إذا كنت من المعلمين الذين يستخدمون التعلم القائم على المشاريع، فإن تلك الخطوات ستبدو مألبوفة بالنسبة لك، على الرغم من اختلاف المسميات، أكثر مما هي خطوات رسمية تؤطر التعلم القائم على المشكلات، وبالتالي يمكننا القول أنه ليس هناك خلاف مفاهيمي بين كل من التعلم القائم على المشكلات أو المشروع، بقدر ما هو اختلاف في الأسلوب ومجال العمل.


التعلم القائم على المشكلة في مقابل التعلم القائم على المشروع
التشابهات
·        الاعتماد على مهمة أو سؤال مفتوح النهاية
·        تقديم تطبيقات أصيلة للمحتوى والمهارات
·        بناء مهارات القرن الحادي والعشرين
·        التأكيد على استقلالية المتعلم وتساؤله
·        متعددة الأوجه وأكثر طولا من الدروس والمهمات التقليدية
الاختلافات
التعلم القائم على المشروع
التعلم القائم على المشكلة
عادة متعددة المواد (تعتمد على مواد دراسية متعددة)
تعتمد غالبا على موضوع أو مادة دراسية واحدة، إلا أنها يمكن أن تكون متعددة الموضوعات كذلك.
طويلة غالبا (أسابيع أو شهور)
أقصر عادة، ويمكن أن تكون طويلة
تتبع خطوات عامة ومختلفة في كل مشروع
تتبع خطوات تقليدية محددة
تتضمن ابتكار منتج أو أداء
تقدم حلا لمشكلة في شكل كتابي أو بشكل عرض
عادة تتبع مهمات وخصائص تنتمي للعالم الواقعي
عادة ما تستخدم دراسات الحالة أو سيناريوهات تخيلية (أو محاكاة) لعرض مشكلة "غير محددة بدقة"



ملاحظة حول الرياضيات والتعلم القائم على المشكلات أو المشروع
من المهم الملاحظة أن ما يسميه معلمي الرياضيات عادة بالتعلم القائم على المشكلة، والمعروفة عادة بإسم "المسائل"، وتصنيفها على أنها وحدات تعلم قائم على المشكلات أو تعلم قائم على مشروع هي ليست كذلك، لإنها غالبا لا تتضمن استقلالية الطالب في التساؤل، وحرية الوصول إلى نتائج مختلفة، ولا تنتهي بابتكار منتج أو عرض يقدم إلى جمهور، وبالتالي فإن تصميم مشكلات أو مشاريع متعددة التخصصات (وليس فقط تلك التي تدمج موضوعات أخرى مع الرياضيات بشكل عرضي) ما زالت تشكل تحديا بالنسبة لمعظم المعلمين، وخصوصا على مستوى التعليم الثانوي.

إذا كيف لهذه المقارنة أن تنتهي؟
يجادل البعض بأن انجاز أي مشروع يحتوي على حل مشكلة، إذا كان الطالب يتحقق من موضوع، فالمشكلة هي تحديد موقفهم منها وكيفية إيصال رؤيتهم إلى جمهور محدد على شكل فيديو مثلا، إذا كان الطلاب يبنون نموذج للعبة جديدة في ساحة للعب، المشكلة هي كيف يبنونها بطريقة ملائمة، تراعي حاجات ورغبات المستخدمين وتوفر شروط السلامة المختلفةـ وحتى لو كانوا يكتبون قصص لنشر كتاب حول السؤال "كيف نشأنا؟"فالمشكلة هي كيف يمكن تقديم إجابات متفردة وثرية لهذا السؤال.
وبالتالي فإن الدلالات اللفظية لا تستحق أن نقلق بشأنها، ليس على المدى البعيد على الأقل، كلا النوعين من التعلم هما وجهان لعملة واحدة، أيا ما كان النوع الذي تقرر الاعتماد عليه، وأيا ما قررت أن تدعوه، فإن خبرات التعلم الممتدة تتوقف على ياغتك لهاـ والقاعدة الأساسية التي تستحق البناء عليها هي أن كلا منهما يمكن أن يخرط طلابك بعمق ويساعدك على أن تدرس بفاعلية.


كاتب المقال: John Larmer
رابط المقال الأصلي: 



عن النعامة التي تقتل أطفالنا

$
0
0
عاما بعد آخر، لم أكره درسا في حياتي مثلما كرهت هذا الدرس، من ضمن الحصص الأكثر إملالا، كان هذا الدرس حالة متطرفة، يعد هذا الدرس تطبيقا لما أسميه "التعليم المغلق"، حين يكون الدرس قائما بذاته ولذاته، لا ينمي أي مهارات ولا يفتح على أية معرفة جديدة (أم هي طريقة التدريس؟)، مجموعة من العبارات أو المعلومات المرصوصة تباعا بلا أي فائدة ترجى للطلاب سوى استظهارها، وتتكرر المأساة.


يقوم المعلم أولا بقراءة الدرس، ثم ينتقي الطلاب الأكثر قدرة على القراءة، ثم الطلاب الأقل فالأقل، يتوقف فجأة ليسأل الطلاب عن معنى كلمة أو عن جمع كلمة أو مفرد أخرى، أو استخرج من الفقرة السابقة كذا أو كذا، وينتقل بعد ذلك لأسئلة التقويم، وهي تسأل عن معلومات محددة في الدرس (مذكورة الاجابات نصا)، وبعد ذلك الاملاء الذي هو  املاء لفقرة من الدرس، وإذا ما قدر للمعلم أن يصطحب وسيلة فهي غالبا صورة للنعامة، أو مجموعة من البطاقات للكلمات المترادفة والمتقابلة.

هناك قصة للمرة الأولى التي حضرت فيها هذا الدرس، فاطمة طالبة من الطالبات المميزات استمتعت دائما بالحوار الذكي معها، لاحظت أنها دائما تفكر قبل أن تتحدث أو ترد، وبصفة عامة شخصية لا تنفذ منها الحجج، خلال مقرر "التربية العملية"كانت أم حديثة لم يتجاوز رضيعها شهره السادس، وبالتالي كان انتظامها في التدريب أمرا شاقا ويتطلب منها جهدا مضاعفا، زوجها من عائلة ثرية ويرى أن كل هذا المجهود بلا طائل، سواء انهت دراستها أم لا  ستتحول في النهاية إلى ربة منزل، لذلك كانت مصممة على انهاء متطلباتها الدراسية بأسرع وقت قبل أن تنفذ قدرتها على "العناد"ومواصلة الدراسة.

لذلك اختار لها زوجها مدرسة تتدرب فيها يمتلكها أحد اقرباؤه، وقام بتوسيطه ليطلب مني أن أعفيها من فترة التدريب، طالما أنها متفوقة، واكتفي بالاختبار العملي، طبعا رفضت لأن ذلك تخريب لكل آلية العمل المتبعة، كانت وجهة نظر مدير المدرسة أن التزامها في فترة التدريب لن تغير في منظومة التعليم المهترئة أصلا، أما وجهة نظري فإن الاهتمام بكل تفصيلة من المنظومة هو ما يصلح الحال، وفي نهاية الحوار القيت الكرة في ملعيه، أنا ما يهمني هو تسجيل دوامها في السجل لعدد الساعات المطلوبة، إذا ما كان ضميره سيسمح له بتسجيل الساعات وفق هواه فهذا يعود إليه، كنت على يقين أنه لن يتجرأ على ذلك.

خلال الامتحان العملي، درس النعامة،  الطلاب يتثائبون من الملل، الدرس في نهاية الفصل الدراسي تقريبا، وهو تكرار لكل ما تم في الحصص السابقة على امتداد الأشهر، وبالتالي لا شيء يحفزهم، صوت المعلمة الفاتر وأسئلتها التي تفتقد للسياق، والصورة اليتيمة ضعيفة الجودة، كل ذلك أصابني وأصابهم بالنعاس، وبمجرد انتهاء الحصة دخلنا في نقاش حاد ثلاثتنا (أنا والطالبة والمعلمة المتعاونة) حول كيف يمكن أن يعد هذا درسا يقدم لأطفال في عامهم العاشر، فلا يثير فضولهم ولا يجذب انتباههم، ولا حتى يساعد في تحسين مهاراتهم اللغوية، كادت الطالبة أن تشي بالحقيقة"هذا هو ما تعلمته من المعلمة"غيرت عبارتها في اللحظة الأخيرة "اعترف أنني لم أقم بتحضير الدرس بشكل جيد"، وبالطبع قراري باعادة الاختبار العملي في الأسبوع التالي مصدر ضيق لفاطمة والمعلمة والمدير، وبدون شك الزوج.

اختارت فاطمة في الأسبوع التالي صفا آخر ودرسا مختلفا، الحصان العربي، أحضرت مجموعة من المنشورات والملصقات لجياد عربية مشهورة عالميا وحققت جوائز في مسابقات مختلفة، وكذلك صفحات من مجلات متخصصة حول الجياد، معظم المواد كانت باللغة الانجليزية، طلبت منهم تجاهل الفقرات والتركيز على الصور، بدأت معهم بأسئلة حول ما يشاهدونه في الصورة، وماذا يعتقدون أنه يميز تلك الحيوانات عن غيرها من تلك المستخدمة في الجر أو الركوب، ثم طلبت من كل واحد منهم أن يحاول أن يعبر عن ذلك بجملة من تكوينه.

بدا من الواضح أن الطلاب مستمتعين تماما، يتسابقون لقراءة جملهم، واستقبال تعليقات المعلمة وتصحيحها لجملهم ضاحكين، استغرق ذلك نصف وقت الحصة تقريبا، انتقلت بعد ذلك إلى الدرس، وبدون أت تقرأ هي، بدأت في اختيار الطلاب لقراءة الدرس بدون الترتيب المتبع، طلبت منهم خلال ذلك أن يكتب كل منهم قائمة بالكلمات الجديدة في الدرس أو التي أعجبته أو التي يمكن أن يدعم بها جملته السابقة، استهجن الطلاب صوت الجرس معلنا انتهاء الحصة، طلبت منهم أن يقوم كل منهم بعمل مخطط للكلمات التي أختارها للعرض في الحصة التالية.

في الحوار التالي للدرس، اعترفت المعلمة المتعاونة أنها مذهولة من اجادة الأطفال للقراءة بشكل غير مسبوق، كذلك لاحظت حماسهم في كتابة ملاحظات وتشجعهم للقيام بالفرض المنزلي على غير العادة، حتى أنهم بدؤوا في مناقشته مع بعضهم البعض، اوضحت فاطمة أنها ارتكزت في بنائها للدرس على ربط الخبرة بشيء واقعي ليسهل عليهم فهم مضمونه، وكذلك ربطه بحاجتهم الشخصية ولغتهم الخاصة وبالتالي يساعدهم على اكتساب الخبرات اللغوية المطلوبة، سألتني المعلمة عما إذا كان من "المفترض"أن تقوم بذلك في كل درس، أوضحت لها أن هناك نوعين من التعليم، تعليم سطحي وهو القائم على الاستظهار، وتعليم حقيقي وهو ما يساعد الطلاب على تنمية مهاراتهم العقلية والفكرية، ولها الخيار فيما ترغب أن تمارسه
في المرة التالية، لم أكن بحاجة لكامل وقت الحصة لأطلب من الطالبة اعادة الدرس مرة أخرى، مرة أخرى كانت تقف النعامة بكل سماجتها ورتابتها، بعد ربع ساعة من الملل استأذنت من الطالبة للخروج، طالبا منها انهاء الحصة رحمة بالأطفال، طلبت منها إعداد درس ذاته مرة أخرى، قررت أن أدعها تواجه النعامة المملة بنفسها.

وهكذا كانت المرة الأولى التي أرشد فيها أحدى طالباتي لاستخدام استراتيجية "استمطار الأسئلة"، وتم تنفيذها في مختبر الحاسوب، حيث قدمت الطالبة لكل مجموعة صور مختلفة للطائر، وطلبت من كل مجموعة اطلاق أكبر عدد من الأسئلة خلال وقت محدد، المرحلة التالية كانت تنظيم هذه الأسئلة في محاور (صفات الطائر، بيئته، أهميته......)، ثم بعد ذلك البحث عبر الانترنت عن اجابات لتلك الأسئلة، المرحلة الأخيرة هي تحويل المعلومات التي تم الحصول عليها إلى منتج نهائي وعرضه أمام الصف، تنوع انتاج الطلاب بين مطوية ومقال مصور وعرض تقديمي وخريطة مفاهيمية، أخبرتني الطالبة أنها والمعلمة المتعاونة لم يتوقعا إبداع الطلاب لهذه الدرجة، وأن المعلومات التي حصلوا عليها و"استوعبوها"أوسع وأعمق من الموجودة بالكتاب، واستغرقت تقريبا نفس الوقت الذي استغرقته الطريقة التقليدية.


قد يتحجج الكثير من المعلمين بعقم المنهاج وعدم جدواه وعدم محاكاته لمهارات الطلاب أو توقعاتهم، لكن المعلم الحقيقي يعتبر كل درس هو فرصة لتطوير آداء الطلاب، يوفر لهم من خلال أنشطة الدرس مجالا لممارسة مهاراتهم العقلية والتفكير والتأمل وتذويت المعرفة، وبالتالي يتغلب على رتابة المنهاج ويحوله لمادة حية ينمو من خلالها الأطفال.

التعلم السطحي والعميق والأعمق 1

$
0
0
يمتلك المعلم وحده القرار بمدى العمق الذي يمكن أن يحققه من خلال تدريسه، وعلى الرغم من المعوقات المحيطة بمجال عمله، والمتمثلة في المناهج كثيفة الدروس ركيكة المحتوى، ونظام الاختبارات القائم على الحفظ، وكثرة الأعباء التدريسية والمهام الروتينية والأعمال الورقية، وساعات العمل المضغوطة، وبيئة العمل غير المشجعة، إلا أن ما أؤمن به، وما أكدته لي خبرات زملائي وطلابي، هو أن  المعلم يبقى ملكا في ساحة عمله، داخل جدران الصف وخارجها، ويمتلك دائما الفرصة، إذا ما امتلك الإرادة، لتجاوز ما يسمى بالتعلم السطحي.

يقوم التعليم السطحي على تدريس ظاهر المعرفة كما يمثلها الحبر المستخدم في طباعة الحروف والكلمات على صفحات الكتاب المدرسي، فالمعلم السطحي هو "عبد"للمنهاج، ينصاع له، غير قادر على تطويعه، يتبعه سطرا فسطر وكلمة فكلمة، غير قادر على إحداث أي خدش في طلاء عقل الطالب، وبالتالي يرى أن مهمته هي تخزين المعلومات على القشرة الخارجية من ذاكرة الطالب، ويرى في حشد المعلومات الوسيلة الأمثل للتدريس، ليس هناك مجال للمجازفات ولا خروج عن المألوف في التعليم السطحي، تعليم قائم على الحفظ، وموجه نحو الاختبار، بما لا يتجاوز مهارة ترديد المعارف الواردة في المنهاج، بعض النظر عن أهميتها أو صدقيتها.

والمتعلم في التعليم السطحي هو مجرد كائن بائس، مهمته الأساسية هي الانصياع والتنفيذ الحرفي لما يتلوه عليه المعلم، اقرأ..أعرب..احسب..سمع....اجب، لا مجال لاستخدام عقله إلا في تخزين وترديد المعلومات، لا مجال لتنمية مهاراته العقلية أو الوجدانية، وهو غالبا طالب ملول لا يستطيع التركيز لفترات طويلة، نتيجة لبقائه في ذات الوضعية الجسدية والنفسية طوال الوقت، محروم من اقتراف جريمة التفكير فيما يلقى إليه من معلومات.

وأساليب التدريس في التعليم السطحي محصورة، تقتصر على اتجاه واحد للمعلومات من المعلم للطالب، ذات مستوى معرفي وحيد، يتسيده المعلم باعتباره الأكثر معرفة ودراية، ويعد استخدام الوسائل التوضيحية أو أي أدوات أو تقنيات أخرى  روتينيا، هدفها تعزيز العرض، وتثبيت حالة السلبية المحيطة بالمتعلم،  وتسجيل استخدام وسيلة في الخانة المخصصة لذلك في دفتر التحضير، الذي يشكل بدوره علاقة معرفية-وظيفية  بالسلطة الأعلى منه.

ويثور القليل من المعلمين (أو بعض المعلمين لكن أبدا ليس الكثير منهم ولا أغلبيتهم) ضد هذه الحالة المعرفية الجامدة، والتعامل مع كتاب المنهاج باعتباره نص مقدس، ويشرعون في تعميق التعلم وفقا لعدة مستويات:

المستوى الأول: تعميق المحتوى، وهنا مازال المعلم موجه نحو المنهاج، ولكن بصورة أكثر تحررا،  حيث يستطيع من خلال خبرته الكشف عن المفاهيم المجردة  التي لا يحسن المنهاج صياغتها، أو المحاور الإشكالية أمام الطلاب، ويبحث عن الطرق والوسائل التي يمكن من خلالها سد هذه الثغرات في المنهاج، في هذه المرحلة مازال التدريس موجه نحو الاختبار النهائي، إلا أنه يقوم بذلك بكفاءة ومرونة أعلى.

المستوى الثاني: تعميق المعرفة،عند هذا المستوى يتحرر المعلم من سطوة الاختبار باعتباره الموجه الأساسي لعمله، إلا أنه مازال يعتقد بأن المعرفة هي الأهم، وأن طلابه مازالوا غير قادرين على الوصول إلى المعرفة بأنفسهم، وغير قادرين على ترويضها وتوظيفها، وبالتالي يعمل على نقل المعرفة إلى الطلاب من خلال الربط بين الحقيقي – لا السطحي- بين المحتوى المعرفي للمنهاج وخبرات الطلاب السابقة، واهتماماتهم ورغباتهم وقدراتهم، وكذلك الربط مع الواقع المعاش والحياة اليومية، مازال الطلاب في هذا المستوى متلقون، إلا أنهم على الأقل يتلقون محتوى ذا معنى بالنسبة لهم.

المستوى الثالث: تعميق الأسلوب،بناء على الوعي باختلاف الطلاب في قدراتهم العقلية والشخصية، وكذلك الحاجة لتطوير المهارات المعرفية من خلال الممارسة، يدرك المعلمون ضرورة التنوع في أساليب التدريس، والبحث عن طرق تمكن الطلاب من أداء أدوارا أكثر فاعلية في عملية تعلمهم، ويتخذ ربط المحتوى مع العالم شكلا أكثر فردية لكل طالب، ويبدأ المعلم في مزج عناصر جديدة في العملية التعليمية مثل الدراما والموسيقى والفن عموما، وتتخذ الأنشطة التعليمية مسارا مغايرا لما يرسمه المنهاج بشكله الحرفي، ويؤمن المعلمون عند هذا المستوى بأهمية الاستقصاء والبحث عن المعرفة وتنظيمها كمهارات أساسية يجب استهدافها خلال عملية التعليم.

إلا أنه حتى عند ذلك المستوى، لا يحقق التعلم العميق الهدف المقصود منه، لأنها غالبا تبدو كجهود معزولة لمعلمين متباعدين، لا يشكلون كتلة حرجة أو تكتل واضح المعالم يعمل على تغيير جذري في طريقة التعامل مع المنهاج نفسه، بل تبقى في بعض الأحيان جهود المعلم ذاته معزولة ومبعثرة، ضربة هنا أو ضربة هناك ، بالكاد يمارس المعلم ذلك النوع من الأنشطة مرة أو مرتين على الأكثر خلال العام، مع بعض الصفوف، تحت ضغط المنهاج ذاته.


ولكي يحقق التعلم العميق أهدافه، يجب أن يكون ممارسة عامة في الصفوف والعلوم المختلفة (مع استمرار التحفظ على الفصل بين العلوم) ضمن إستراتيجية شاملة تستهدف التطوير المستمر لمهارات الطالب المعرفية والشخصية، وإعداده لمواجهة الحياة في مستقبل يختلف حتما عن الحاضر، وفقا لمجموعة من المبادئ التي تمنح الطالب استقلالية في العمل وتحمله مسئولية تعلمه، وتقدر الاختلاف بين الطلاب و التباين في مخرجات التعلم، وتساعده  على التواصل والعمل ضمن مجموعة بكفاءة، وتطوير مهاراته النقدية لحل مشكلات معقدة، وهي ما تعرف بمبادئ "التعلم الأعمق".

التعلم السطحي والعميق والأعمق 2

$
0
0
مقدمة نظرية لا غنى عنها...

حاولت في المقال السابق إلقاء بعض الضوء على مفهوم التعلم السطحي، والذي يعبر عن علاقة أحادية بين سطح صفحات المقرر  والقشرة الخارجية لعقل الطلاب، وكذلك توضيح بعض الاتجاهات السائدة عند المعلمين في تعميق خبرات التعلم، وتدرجها من محاولة تعميق المقرر إلى  تعميق المحتوى إلى تعميق طريقة التدريس (أي إعطائها العمق اللازم لأي عملية تعلم حقيقية) ، إلا أنه كما انتهيت فإنه غالبا ما تعجز هذه المحاولات عن إكساب الطلاب المهارات المطلوبة نظرا لعدم شيوعها من جهة، ولفقدانها الاطار العام المنظم لها من جهة أخرى، مما يحولها إلى جهود مبعثرة، لا تحقق الكثافة اللازمة لإحداث تحولات حقيقية في العملية التعليمية، طرائقها ومناهجها.

ويمكن تحقيق ذلك من خلال تعميق شامل للعملية التعليمية، وهو ما يطلق عليه التعلم الأعمق، ويقوم التعلم الأعمق على مبدأ أساسي، وهو ربط كل المعارف التي يكتسبها الطالب مع بعضها، بحيث تشكل شبكة من المعارف التي تعينه على التقدم في مجال تعلمه أكاديميا، كمتعلم مدى الحياة، وتوظيف تلك المعرفة في حياته المستقبلية والمهنية، ولكي يتحقق ذلك لابد من تنمية مهاراته في مجال اكتساب المعرفة وتوظيفها، وهو ما يتم من خلال منح الطالب الحرية والاستقلالية في العمل، وبالتالي تحمل المسؤولية عن تعلمه، مما يتطلب منح الطالب الصلاحية الكافية لاتخاذ قراراته الذاتية في مجال تعلمه، وهو ما يتطلب إتاحة خيارات مختلفة أمام الطالب بحيث يمارس التعلم وفقا لاهتماماته الذاتية وتعبيرا عنها، وهو ما يتطلب بذل مزيد من الجهد تجاه تفريد التعليم، ليس فقط من حيث طرائق التدريس، ولكن من حيث المخرجات المتوقعة من الطلاب كذلك.

ويتطلب تحقيق ذلك من جهة أخرى إقامة المزيد من الروابط بين ما يتم داخل الصف من عمليات التعلم، وما يحدث حقا في العالم الواقعي، من خلال بناء علاقات تواصل مع خبراء في مجالات متعددة، وتوطيد العلاقات مع المؤسسات المحلية (البلديات، الشركات، المصانع، المنظمات غير الربحية....) بما يسمح للطلاب بالاطلاع على خصائص وآليات العمل داخل تلك المؤسسات، وهو ما يعني قطعا ادوار مغايرة للمعلم، بالإضافة إلى الاطلاع العميق على محتوى التعلم وتصميم الروابط المعرفية مع العالم الخارجي، بما يوفر للطلاب بيئة تعلم آمنة وثرية، يتطلب منه تواصل مباشر وقدرة على إقناع الأشخاص والهيئات بتولي دورها في عملية تعلم حقيقي.

ووفقا لذلك ينتظم التعلم الأعمق وفقا لستة مجالات أساسية، يجب على المعلم التركيز عليها، حتى يتأكد من قيادته لعملية تعلم وثيقة وحقيقية، وهي:

·        إتقان المحتوى الأكاديمي
يكتسب الإتقان هنا معنى مغاير عن مجرد امتلاك الحقائق والمعارف الواردة في المحتوى، بل يجب على الطالب أن يمتلك المهارات اللازمة من أجل ربط تلك المعلومات مع بعضها، وتوضيح السياق العام لها، والقدرة على إدراك أهميتها في علاقاتها مع جزيئات أخرى من العلم ذاته أو مع العلوم الأخرى، وتقديم تبريراته لهذه الأهمية، بالإضافة إلى التدرب على الممارسات أو المهارات المرتبطة بها، والتعبير عن ذلك كله في سياق إبداعي من وجهة نظره الذاتية.

·        تعلم كيف تتعلم
على الرغم من أهمية المحتوى العلمي، إلا أن صلاحيته الزمنية تبقى محدودة نتيجة لسرعة التراكم المعرفي، من المهم هنا يجب أن يطور الطالب قدراته على اكتساب المعرفة وتنظيمها، من خلال تدريبه على تحديد أهداف التعلم وتزويده بالآليات التي تمكنه من مراقبة تقدمه، وتنمية قدرته على وضع تحديات شخصية له في مجال التعلم، والتأمل في ما يتم تعلمه وآلية تعلمه، والحصول على التغذية الراجعة من أجل التحسين والتطور والنمو.

·        التفكير النقدي لحل مشكلات معقدة
في حياة تزداد تعقدا باطراد، تكتسب المعلومات والمهارات أهميتها من كونها جزءا من حل مشكلات واقعية تواجه جماعة من البشر، مع زيادة مطردة وتنوع هائل في مصادر المعلومات، تتطلب من الإنسان بذل مجهود أكبر من اجل تقييم دقة وصلاحية المعلومات من جهة، والقدرة على بناء الآراء والأفكار وتقديم الحجج الصحيحة على صدقها وفاعليتها من جهة أخرى، مما يتطلب تدريب مكثف للطلاب على التعامل مع المشكلات وبناء الحلول وتجريبها، وكذلك على النقد الذاتي والغيري  وتأمل أساليب العمل الخاصة بهم وبالآخرين، بهدف الكشف عن الثغرات وتحسينها.

·        العمل التعاوني
من أهم مهارات العصر الحاضر هي القدرة على العمل بفعالية ضمن فريق العمل، ويتوقف عليها النجاح في آلاف المواقف في الحياة الأكاديمية والمهنية، وهو ما يتطلب العمل على تطوير قدرات الطلاب في العمل مع مجموعة ضمن خطة محددة، يتم تقاسم المهمات فيها بحيث يستطيع كل فرد تولي الجانب الذي يبرز أفضل صفاته، والقدرة على تبادل الأفكار مع الآخرين والبناء عليها، وتولي مسئولياته الشخصية مع الاستعداد لتقديم الدعم للآخرين في مهماتهم، وتبادل التغذية الراجعة مع أعضاء الفريق و التقييم الجماعي لمدى تحقق الخطط

·        التواصل الفعال
لكي يتمكن الطالب من الوصول لمصادر الدعم السياسي والاقتصادي والاجتماعي لمقترحاته وأفكاره الجديدة، وإقناع الآخرين بأهمية مقترحاته وقابليتها للتطبيق ، وإحداث التأثير الايجابي المطلوب على الآخرين، يحتاج لتطوير مهاراته في مجال اختيار وسائل الاتصال وبناء المزيج المكون رسالته بما يتناسب مع الموضوع وطبيعة الجمهور، وإتقان استخدام وسائل الاتصال وتعظيم أثرها، والتعامل مع النقد والتغذية الراجعة من الآخرين بفعالية

·        تطوير ذهنية النجاح الأكاديمي
تتعامل المدرسة التقليدية مع كل فشل باعتباره خطيئة وأمرا مرفوضا، إلا أن ذلك من جهة أخرى يهبط بسقف التحدي الذي يتقبله الطالب، وبالتالي فلن يسعى إلى تحديات تفوق قدراته الحالية، إلا أن التعلم يثير في الطالب الحماسة لتولي مهمات معقدة تتجاوز مستوى قدراته الحالي، ويزوده بالطرق والآليات التي تمكنه من التعامل مع فشله بطريقة مثمرة، والبناء على التقييم الذاتي والتأمل في اكتشاف وإصلاح الأخطاء، في إطار من الالتزام الأخلاقي بالقيم العامة والمهنية في مجاله.

لكن ذلك يبدو معقدا جدا....هل هناك ما يثبت إمكانية تحققه في بيئة تعليمية تعاني أصلا من النقص في الموارد والجمود في النظم والمناهج؟

هناك عدة اعتبارات تحكم الإجابة على هذا السؤال..فتلك  الخصائص والمهارات الواردة سلفا ليست من باب الرفاهية أو التحسين، بل هي لازمة لكل مجتمع يرغب أن يحيى وينافس في المستقبل، ضرورية لكل الطلاب الذين نرغب في توفير فرص عمل ونمط حياة ناجح، وأساسية في خلق مواطن فاعل قادر على تطوير مجتمعه والالتزام بالتحديات المفروضة عليه، وبالتالي فيجب أن ينصب على "تطويع"البيئة التعليمية من أجل تحقيق العمق اللازم لما يقوم به من جهد تعليمي.


ويضعنا ذلك أمام حقيقتين هامتين، الأولى هي إن الوصول التعلم الأعمق يتطلب وعيا  من جماعة المعلمين وعيا بأولوياته وإيمانا بضرورته، وهو ما يتطلب بداية جهد ريادي في تحقيق نماذجه، بعيدا عن الأشكال التقليدية المحفوظة والمكررة، والثانية هي أنه إذا كان أي عمل حقيقي يتطلب سعيا تدريجيا لتدرجه، وأن عمليات التعميق تتطلب وقتا لاستيعابها من قبل جميع الأطراف المشاركة، المعلمين والطلاب والإدارة والأهل والمجتمع المحلي، إلا أن ذلك يجب أن يتم وفق رؤية شاملة ووعي بمدى التقدم الذي يتم إحرازه، وإلا فقدت بوصلتها للوصول للمطلوب.

اليوم الخامس:عن التغير والزمن التربوي

$
0
0
يؤمن الكثير بأن الحقيقة التي يجمع عليها كل البشر ولا يمكنهم انكارها، هي "الموت"، حسنا تلك حقيقة سطحية، فالموت هو مجرد مظهر لحقيقة الوجود الإنساني على الأرض، وهو التغير، الموت ما هو تجسيد لحالة من حالات التغير، فالتغير يحدث في كل لحظة في حياتنا، داخل أجسادنا وفي العالم المادي والفضاءات الاجتماعية، حالات تغير وتبدل وانتقال، الحياة سيال ضخم وهادر، تلك حقيقة لا يمكن إنكارها كما لا يمكن إنكار حقيقة الموت، التغير هو القانون الحاكم لوجود البشر على الأرض.

إيماننا بتلك الحقيقة يضعنا في مأزق أمام تصورنا للزمن التربوي، ذلك التناقض تناقض بين اللحظات الراهنة والماضية والقادمة، بين الماضي الذي نمثله كمعلمين، والحاضر الذي نقوم بالتعليم فيه، والمستقبل الذي يمثله طلابنا، ذلك المأزق الذي يجبرنا كمعلمين في اللحظة الحالية أن نقوم بتدريس معلومات تنتمي للماضي، معتقدين أننا من خلالها نعد طلابنا للمستقبل، لهذا السبب تحديدا يجب على المعلم ألا يعتمد المعلم على أرثه، سوء ما قد تعلمه من معلومات أو ما يتقنه من أساليب، لأن ذلك سيسجنه وطلابه في لحظة ماضية، كما يحتم عليه أن يعد الطلاب بما يتناسب ومستقبل غير مكتمل الرؤية، أي تطوير قدرتهم على اكتشاف القادم والتعامل معه.


الغريب أن تلك الحقيقة تغيب عن كثير من المعلمين أثناء ادائهم لعملهم، لا يعتقدون بالتغير الحادث في شكل التعليم وطرقه ومجالاته، يدرسون الطلاب حقائق درسوها هم أنفسهم وقت كانوا على مقاعد الدراسة، تقريبا بنفس الطريقة التي درسوها بها، أي أنهم حيال تدريس طلابهم يحذفون عشرات السنوات من التاريخ، ويثبتون وعيهم عند لحظة تم تجاوزها تاريخيا واجتماعيا وعلميا، لا يأبهون لكل ذلك التغير الذي حدث في النظريات التربوية والتطور في طرائق التدريس والتعلم، ولا يلقون بالا لكل تلك الثورة الحادثة في مصادر المعرفة.

في أحد الدروس التي كنت أحضرها للصف الثالث تقريبا، سألت المعلمة في أي فصل من فصول السنة نحن؟، كانت اجابة الطلاب "الربيع"، وبماذا يتميز فصل الربيع؟ الجو دافيء وتتفتح الأزهار وتكثر الطيور والرحلات، طبعا نظرة واحدة من النافذة كانت كافية لاثارة الضحكات، كنا نعيش شتاء متأخر، أمطار كثيفة وغيوم ورعد وبرق، نعم سيدتي وقت كنت أنت نائمة في كبسولتك الزمنية، حدث تغير مناخي هائل في كوكب الأرض، ذلك التغير الذي حذرونا من أنه قادم بعد عشرات السنين، هاهي عشرات السنين قد مرت ونحن نعيشه الآن، ولما كان واضع المنهاج مازال يعيش في نفس الكبسولة الزمنية، فلم يجد مانع من تقديم نفس المعلومة بنفس الطريقة التي كانت قبل عشرات السنين، تحت دعوى: وهل تتغير فصول السنة؟ نعم لقد تغيرت إلى غير رجعة إذا كنت تحيا معنا على نفس الكوكب.

من أولى زياراتي لأحدى طالباتي، كانت الحصة تجسيد لكل ما كرهته في الحصص المدرسية، معلمة تقف مرهقة أمام الصف، تبدأ في القاء الدرس على الطلاب بطريقتها المملة، وبين الفنية والأخرى تتوقف لتسأل الطلاب بعض الأسئلة عن المعلومات التي ألقتها توا، ويجب على الطالب أن يجيب مثلما قالت بالضبط، أي أجابة مخالفة تعتبر خاطئة، يمكن ملاحظة مدى ملل حصة من متابعة الطلاب لعقارب الساعة الموضوعة على الحائط، كم الأدوات التي يسقطها الأولاد على الأرض، المحادثات الجانبية وتبادل الجذب بين الطلاب وبعضهم، كان كل هم المعلمة هو ضبط الصف من منظورها، صراخها بين الفنية والأخرى لجذب انتباه أحد الطلاب، شمس..قمر..شمس..قمر، يا الهي....لم يتغير شيء منذ كنت على مقاعد المدرسة..تلك ثلاثون عاما وأكثر.

حاولت أن اضبط أعصابي أثناء توجيهي للطالبة، بدأت بسؤالها عن وقت الحصة كم شغلت منه وكم شغل الطلاب منه، إذا لم يكن هناك تفاعل من الطلاب، لكني كنت أوجه إليهم أسئلة وكانوا يجيبون، ذلك ليس تفاعل إنه أقرب إلى التحقيق البوليسي، طالما كانت هناك إجابة واحدة صحيحة تبحثين عنها، ثم لماذا كل هذا الصراخ، لابد للمعلم أن يحافظ على الضبط، أي ضبط! إنهم أولاد بعمر السادسة أو السابعة، من الطبيعي أن يتحركون ويمزحون وإلا فإن هناك أمرا على غير ما يرام فيهم، دوري كمعلم هو توظيف ذلك النشاط لا كبته...ما المهارات التي تعتقدي أن الطلاب مارسوها بخلاف الترديد خلفك؟

هنا تدخلت المعلمة المتعاونة، معلمة خمسينية، بدأت في الدفاع عن ممارسات الطالبة المتدربة، أو بمعنى أصح تدافع عن ممارساتها الخاصة التي تقتبسها الطالبة المتدربة، كانت نبرة الغيظ تتصاعد في صوتها، هي ترفض ما كنت أقوله جملة وتفصيلا، ليس لاعتقادها بخطئه بقدر دفاعها عن الممارسات التي تتمرس خلفها منذ عدد من السنين يعلمه الله وحده، محتوى الكتاب هو فقط الجدير بدراسته من قبل الطلاب، وأي خروج عن صفحات الكتاب هو خروج عن النص، وإلا فلم أقرته الوزارة! الدور الأساسي للمعلم هو الضبط، المعلم الجيد هو القادر على الضبط بشكل أفضل، هيبة المعلم تتمثل في استجابة الطلاب لأوامره، المهارات المطلوبة من الطلاب هي القراءة والكتابة والجمع والطرح، هذا هو دور المعلمة في إعداد الطلاب للتعلم في المراحل القادمة.

كثيرا ما أصادف معلمين أو معلمات يتمثلون هذه الأفكار، والحمد لله أظنهم لم يعودوا أغلبية، وهم حرفيا "متحجرون"خلف هذه القناعات، ومهما تغيرت الظروف التربوية أو المجتمعية حولهم، فمن الصعب أن يستجيبوا لها إلا في الحدود الشكلية، أو بما لا يتجاوز دفتر التحضير في الكثير من الأحيان، ولنأخذ مثال على ذلك من التوجهات التعليمية الحديثة التي تم إقرارها بشكل واقعي، معلم الصف.

الفكرة الأساسية  وراء مفهوم "معلم الصف"لا تقتصر على وجود معلم واحد يدرس جميع العلوم، بل تتعدى ذلك الفهم نحو دور المعلم في صياغة خبرات ذات جوانب تعليمية متعددة، الهدف منها هو التكوين الشامل للمتعلم، بعيدا عن القسمة غير المفهومة بين الجوانب الشخصية والوجدانية والمعرفية والمهارية، والفصل بين ما هو لغوي وما هو حسابي وما هو علمي بالمعنى الضيق للكلمة، التفرقة الحادة بين الطبيعة والفن واللغة والقيم والجغرافيا والجسد والروح، أما رد فعل الكثير من المعلمين لهذا التغير فهو سحبه إلى منطقة الجمود والتقليد، يقوم المعلم بدوره كمعلم صف باعتبار ذاته مجموعة من المدرسين غير المتعاونين، يتقمص شخصية مدرس اللغة العربية في حصة اللغة العربية، ومع دخول حصة الرياضيات يرتدي قناع مدرس الرياضيات، يطلب من الطلاب سحب كتب اللغة العربية وفتح كتب الرياضيات وكأن معلما جديدا قد دخل إلى الصف، وهكذا يقوم بإفراغ الفكرة من معناها، والحجة جاهزة طبعا أن المنهاج لا يسمح بغير ذلك، لا أنكر أبدا أن المنهاج تعس، إلا أن تجربتي تخبرني أن المنهاج لا يعدا قيد إلا لمن يقرر أنه قيد عليه.

والغريب هو أنه ما أن أبدأ حوار مع المعلمين حول التغيير، حتى ينصب جل حديثهم عن التكنولوجيا وعدم وفاء الوزارة بحاجات المدارس من بنية تحتية وأجهزة، ذلك ليس هو جوهر التغيير، هناك تغيرات اجتماعية لن تحلها التكنولوجيا، هناك تغيرات سياسية واقتصادية ومعرفية وحتى مناخية لن تحلها التكنولوجيا، القصة ليست أبدا في التكنولوجيا بل في العقول خلفها، في أنماط التفكير التي توظف التكنولوجيا في تطوير الأفكار وحل المشكلات، غير ذلك مجرد هدر للإنفاق على أجهزة وأدوات وتقنيات، وآلاف ساعات التدريب، لاستخدام التكنولوجيا فيما يمكن أن يتم بدونها.


احتفظ بجملة صديقي العبقرية، التي تلخص واقع نظامنا التعليمي واستجابته للمتغيرات في عصرنا الحالي (نظامنا التعليمي الحالي رائع، فقط بمعايير العام 1915)، إن معضلة الزمن التربوي إنه لا يتعلق بالماضي ولا بالحاضر، إنه دائما يكمن في المستقبل، المستقبل الذي لا يمكن خوضه بعقول ماضوية، تتجاهل كل ما حولها من تغيرات وتعتبر  الفرق بين اللام الشمسية واللام القمرية محور منهاج اللغة العربية، المستقبل الذي هو بالنسبة لنا كمربين مجهول تماما، فهل يساعد تدريسنا الطلاب للتعامل معه؟ أظن أن في إجابة هذا السؤال تكمن رؤيتنا لكل ما نقوم به من تعليم.

من يجرؤ على الغناء؟

$
0
0

ابتسمت له ونصحته ألا يخوض هذه التجربة، فالصف الأول هو الأصعب، وصراحة لا اعتقد أن طالب قادر على القيام بتلك المهمة، ، لم يكن أحمد طالبا عاديا بالنسة لي، فهو من الطلاب المتفوقين، الذين يجمعون بين الدراسة والعمل في مهنته كنجار كما تشي يده الخشنة، بدون أن يؤثر ذلك على مستواه الدراسي، أصر أحمد على ذلك، قلت له أنه اختياره الشخصي قبل كل شيء، وأنه يتحمل مسؤولية قراره، طبيعة شخصيته الجدية لم اتخيل كيف يمكن أن يتعامل مع طلاب هذه المرحلة. تدريس تلك المرحلة هي أقرب لطبيعة الفتيات، ربما كانت الصفوف الأكبر عمرا أقرب إلى شخصيته
كانت زيارة أحمد في الصف متعة خالصة، ما أن دخلنا إلى الصف حتى بدأت ثورة من الترحيب والتصفيق، وقف في منتصف الصف واضعا يديه في وسطه، اتسعت عيناه محذرا بطريقة كوميدية، ضحك الطلاب وانتظموا في مقاعدهم بسرعة، قبل أن يتكلم كلمة واحدة، اشار بيديه كما يفعل الموسيقار في قيادة الاوركسترا، ومع اشارته انطلق الطلاب في غناء قوي ومتناغم لأنشودة عن ما يدرسونه بالصف، ومع أشارة يديه القاطعة صمت الطلاب جميعا في نفس اللحظة، نظر إلي في ثقة وكأنه يتأكد من مشاهدتي لقدراته على ضبط الصف.
"أين فريق حرف الباء؟"وقف فريق من الطلاب، انطلق أحمد في اغنيته وكلما أشار لأحد الطلاب استكمل مقاطع حرف الباء بطريقة جميلة، بعد ان انتهوا صفق الجميع بما فيهم أنا، حسنا من يذكر لي أغنية أخرى فيها حرف الباء؟ ارتفعت الأيدى متنافسة، وبين الغناء والتصفيق كانت الحصة عبارة عن حالة من المرح، حسنا لدينا اليوم ضيف جديد...صديقي جمال، بأي حرف يبدأ؟ "جيم"صاح الطلاب جميعا في إثارة عرفت سببها بعد برهة، من زاوية الصف أخرج أحمد صندوقه ذي الستائر، اختفى خلفه ليخرج دمية من بين الستائر، مرحبا يا أطفال، مرحبا جمال، حوار فكاهي عن أشياءه التي يجدها في صندوق الأحرف والتي تبدأ جميعها بحرف الجيم، يخرج طالب في كل مرة ويستخرج أحد الصور التي يبدأ اسمها بحرف الجيم، ويقوم بتعليقها على اللوح، من يمكنه أن يكتب أسمي؟ تسابقوا لكتابة الأسم على اللوحة، وهكذا استمرت الحصة بين غناء ولعب، ولكي يتأكد أحمد من اتقانهم للخبرة، وزع عليهم ورقة عمل تتضمن بعض الصور وطلب منهم كتابة أسم كل صورة تحتها، من الواضح أن طريقته تؤتي ثمارها بقوة، لم تكن هناك فروق فردية تذكر في حل أداء الطلاب لورقة العمل، ومع خاتمة رائعة عن أغنية لحرف الجيم اتقنها الطلاب في دقائق معدودة...من أكثر الحصص التي لم أشعر فيها بمرور الوقت، ولا أبالغ إذا ما قلت أنها كانت متعة خالصة.
https://www.facebook.com/mstfy.alshryf2/videos/10206961326343029/

بداية يساعد الغناء كنشاط إنساني على تخفيف التوتر ويعمل على نشاط العقل بشكل صحي، كما يؤثر ايجابيا على تأقلم الإنسان مع الظروف المحيطة والشعور بالانسجام ، وتزيد من قدرته على مواجهة المشكلات وحلها، وفي الكثير من المهن(مثل التمريض) يحصل العاملين على برامج  "مساقات"وأنشطة تتعلق بالغناء الجماعي ، حيث تشير الدراسات أن لمثل هذه الأنشطة المتعلقة بالغناء دور أساسي في  تحسين الصحة النفسية وتقبل شروط العمل، كما أن للموسيقى والغناء استخدامات علاجية متعددة.

وهناك منهجيات متعددة لتوظيف الموسيقى والغناء في البيئة الصفية، إلا أنها جميعا تهدف لخلق حالة ايجابية داخل الطلاب ومناخ مشجع على اتقان خبرات التعلم، واستثارة حماسة ونشاط الطلاب، وتوفير حالة من الاسترخاء العقلي تدعم عملية التعلم، وتعمل على زيادة التركيز وتحسين آليات الذاكرة، والعديد من المزايا لا حصر لها، وبصفة عامة الموسيقى داعم أساسي لعملية التعلم، وبصفة خاصة للمراحل الأولى من التعليم.

نصرة، معلمة أربيعينية، إلا أنك ما أن تتحدث معها حتى تشعر بروح الطفلة الكامنة فيها، الكثير من النقاء والبراءة، واحدة من المعلمات الائي لم يعلمنني فقط، لكن ساعدتني على استكشاف المعنى الواقعي للاتجاه الايجابي في الحياة، قاربت خبرتها العشرين عاما من العمل المدرسي، داخل الصف تكاد لا تفرقها عن "بناتها"كما تدعوهن، صاخبة تصفق وتغني تؤشر بيديها وتدف بقدميها الأرض بدون، كانت الأغنية عن الكائنات الحية ومليئة بالمعلومات العلمية، إلا أن الطالبات كن يحفظنها عن ظهر قلب.

في بداية عملي، تتذكر نصرة، كانت سنوات الانتفاضة، كان البنات يفتقرن إلى التركيز بالحصص وكن يعانين من مشاكل نفسية جمة، هي نفسها كانت تعيش مكتئبة، كان القصف وأصوات الرصاص ومشاهد القتل والتدمير وجبة يومية على شاشات التلفاز، في أحد المرات ناقشتهن  في ذلك، كن يحتفظن في ذاكرتهن بتفاصيل مرعبة، سألتهن عم يرغبن في عمله، طلبن أن يختبئن تحت طاولات الدراسة، اختبئت معهن، تذكرت حينما كانت أمها تهدهدا، عشوائيا بدأت في الغناء، بدون ترتيب اختارت فيروز، مع الأغنية التالية بدأن في الغناء معها، وشيئا فشيئا اندمجن في الغناء، أصبح ذلك شغلي الشاغل، البحث عن الأغاني التعليمية وانتقاء الأفضل منها والأكثر مرحا، بدأت كذلك في تأليف الأغاني، ساعدني ذلك بشكل كبير على الخروج عن الواقع اليومي المأساوي.

اكتشفت صبرة أن الأطفال يتعلمون الخبرات التعليمية المغناة بسهولة ويحتفظون بها لفترة طويلة، بشرط أن تكون الألحان جذابة ومرحة وخفيفة، كما أن الأغاني تساعد الطلاب الذين يعانون صعوبات في قراءة المقاطع التعليمية، وتجعل عملية القراءة أكثر سلاسة بالنسبة لهم، وتشجع الطلاب الخجولين على الاندماج في بيئة الصف والتفاعل مع أقرانهم.

ووفقا لخبرات طلابي، يساعد الغناء المعلم والمعلمة المبتدأة على الانخراط في جو العمل الصفي، وتخفف من احساسه بالخوف من الوقوف أمام الطلاب، خصوصا في المرات الأولى، ما أن ينطلق الجميع في غناء جماعي متناغم، حتى تخف وطأة الموقف، ويصبح المعلم أكثر جرأة على تنفيذ ما صممه من أنشطة، كما أن منهم من طور استراتيجيات لضبط الصف "المشاغب"تعتمد على الغناء، من خلال تقسيم الطلاب إلى مجموعات تردد كل منهم مقطع معين وترد عليها الأخرى، مما يساعدهم من جهة على التنسيق بينهم والاعتياد كذلك على قيادة المعلم لهم.

الاستخدام الأكثر احترافية للموسيقى والغناء في الصف، هو تلك الاستراتيجيات التي تعتمد على تنمية الذكاء الموسيقى، وتوظيفه في تحسين عمليات التعليم والتعلم، وقد شاهدت على الأقل معلمتين يستخدمنه بكفاءة، وبالاضافة إلى مهارات الغناء والأداء الموسيقي، يهدف إلى تطوير قدرات التعرف على المقاطع الصوتية والنغمات الموسيقية المختلفةـ  والاحساس بالايقاع وتحويل الكلمات والجمل إلى مقاطع ذات إيقاع، واستخدام الموسيقى في التعبير عن الأفكار والمشاعر.
ويمكنني بصفة عامة تقسيم معلمين المرحلة الأساسية إلى نوعين من المعلمين أو المعلمات، أولئك الذين لديهم القدرة على الغناء مع الطلاب، وهم عادة مرحون يستمتعون إلى حد كبير بعملهم ولايشعرون بوطأة العمل المدرسي اليومي، حيث يشكل بالنسبة لهم ترفيه من نوع خاص، بقدر اندماجهم مع طلابهم وطالباتهم، أما الآخرون، المتجهمون، الذين لا يجرؤون على الغناء، فهم وإن لم يقلوا عن نظرائهم كفاءة، إلا أنهم سرعان ما يهرمون، وعادة يشتكون من العمل مع الأطفال، ويشكل كل يوم دراسي جديد عبء يضاف على كاهلهم.



التعلم السطحي والعميق والأعمق (3) من النظرية إلى التطبيق

$
0
0
تناولنا في المقالين السابقين بعض الأفكار الرئيسة المؤسسة لتيار التعلم الأعمق،والذي يركز على تحويل كل درس يتلقاه الطالب إلى خبرة تعليمية عميقة تعينه على التقدم في مجاله العلمي بتفوق، وشحذ المهارات اللازمة للحصول على فرص متقدمة في سوق العمل، حيث متطلبات المهن تتطور وتتغير باستطراد، وبشكل العام تمكين الطالب من ممارسة مهارات القرن الحادي والعشرين وإتقانها.

ويتطلب تحقيق خبرات التعلم الأعمق جهدا حقيقيا من المعلم، فإلى جانب الاهتمام بالمجال الأكاديمي وتطوير الطالب لقدراته في ربط المعلومات مع بعضها في إطار سياقها العام، وإدراك علاقاتها مع جزيئات أخرى في العلم ذاته والعلوم الأخرى كذلك، يجب التركيز أيضا على تطوير الطالب لقدراته على اكتساب المعرفة الجديدة وفرزها وتمحيصها، وممارسة مهارات التفكير النقدي لحل مشكلات معقدة، وبناء مهارات العمل التعاوني، واكتساب استراتيجيات التواصل الفعال وتطويره لذهنية النجاح الأكاديمي، وسائر مجالات التعلم الأعمق الستة التي تم تفصيلها فيالمقال السابق.

عند هذا الحد يبدو الطرح معقدا ويتطلب جهدا استثنائيا، بل ويبدو غير واقعي إذا ما قارناه بما يدور في الحصص اليومية، ويمكن أيضا الادعاء بأن كل ما ورد في الفقرة السابقة يبقى "هامشيا"إذا ما  وضعناه على سلم الأولويات المطلوب من المعلم إنجازها مثل إنهاء المنهاج، ,والمهمات الروتينية و....و.....، بالإضافة إلى عدم توافر الإمكانات  ونقص الوقت اللازم لتحقيق تعلم حقيقي خلال الفصل الدراسي المتكدس بالمعلومات أصلا، وهي كلها مشكلات حقيقية تواجه المعلمين في محاولتهم لتحقيق أي عمق للمنهاج.
 من أجل إلقاء المزيد من الضوء، سأقوم بسرد تجربة قام بها معلمة متدربة تحت إشرافي، كان لتلك التجربة أعمق الأثر في إدراكي لإمكانية تحقيق التعلم الأعمق في سياق التعليم اليومي للمدارس العامة، كانت هناك مجموعة من القناعات تقود تلك المعلمة في تجربتها:

  • -          إن الفصل بين الحياة اليومية للطلاب وبين ما يتلقونه في المدرسة يجعل من عملية التعلم أمرا روتينيا مملا.
  • -          إن ما يتعلمه الطلاب يجب أن ينعكس على تطوير مهاراتهم وإلا فإنه سيصبح مجرد حشو للمعلومات
  • -          إن التعلم يتحقق عندما يقوم الطلاب بتحويله لنتاجات عملية من إنتاجهم
  • -          ضرورة توافر سياق لعملية التعلم يمنع من تحول الدروس إلى مجموعة من المعلومات المتناثرة

وهكذا أعادت تصميم الدروس الخاصة بنمو الحيوانات وتكاثرها وغذائها للصف الثاني الابتدائي (7 سنوات)، وبعد نقاش قصير مع الطالبات حول من تملك أسرتها مكان خاص لتربية الحيوانات كعمل أو كهواية، كلفتهم بتعبئة ورقة عمل تمهيدية ، كانت ورقة العمل مقسمة إلى جزئين يقوم الطالب بحلهما بمساعدة الأهل بعد زيارة أقرب مكان مخصص لتربية الحيوانات، القسم الأول كان عبارة عن جدول بسيط يشمل اسم الحيوان وطريقة تكاثره وعمره ووزنه وطوله وارتفاعه، أما القسم الثاني فكان مخصص للتعبير بالرسم أو الصور عما يراه الطالب مناسبا للمعلومات التي جمعها.

كان الهدف الأساسي للورقة هو جمع معلومات واقعية عن الحيوانات تمهيدا لتقديم الدروس، وكانت الخطوة التالية أن تفسح مجالا لبعض عرض نتائج أوراق العمل قبل أن تشرع في عرض المحتوى من خلال عرض تقديمي أعدته خصيصا لهذا الدرس، إلا أنها انتبهت إلى أن ما قدمته الطالبات كان من التنوع والثراء ما يفوق ما جهزته هي شخصيا، كذلك فإن الصور التي أضفنها كانت كذلك أعمق مما تخيلت أن يقوم أطفال في تلك العمر بتقديمه، كان دور الأهل في المساعدة واضحا، لكن كانت الفتيات مستوعبات تماما لما تحتويه، لذلك قررت أن تدفع النشاط قدما إلى الأمام.

قسمت الطالبات إلى مجموعات، وطلبت من كل مجموعة أن تتعاون فيما بينها لانتاج لوحة تشمل جميع المعلومات الواردة في أوراق العمل الخاصة بالمجموعة، مع تحديد أهم العناصر التي تشملها اللوحة في التالي:
-          تصنيف الحيوانات حسب طريقة تكاثرها وغذائها
-          دورة حياة الحيوان  وخصائص نموه
وتركت لهن حرية العمل في باقي التفاصيل، لكن كان عليها أن تضمن الحد الأدنى من الالتزام بالمحتوى المطلوب

كانت الجلسة الأولى في عمل المجموعات عبارة عن فوضى شاملة، فالفتيات المعتادات على العمل الدراسي المنفرد كان من الصعب عليهم التعاون في انجاز المهمة، فكل منهن ترى أن أفكارها هي الأفضل وهي التي يجب أن تحتل الصدارة، كن يفتقدن طريقة العمل سويا كما كن يفتقدن إلى آلية تنظيم المعلومات، وكان ذلك يتطلب تدخلا من المعلمة ليتمكن من انجاز المهمة.

الخطوة الأولى كانت تقسيم العمل داخل المجموعات، وإعطاء كل فرد فيها دور متميز، وللتأكد من استيعاب الطالبات للأمر طلبت من كل طالبة أن تحدد وظائف الدور الذي تقوم به داخل المجموعة، أعقبها عصف ذهني تناول كيف يمكن لكل واحد من هذه الأدوار أن يتفاعل مع الأدوار الأخرى، والخطوة الثانية قام بتقديم مجموعة من المخططات التي يمكن لهن استخدامها في تنظيم معلوماتهن، كانت تلك الخطوات هامة جدا في مساعدة الطلاب في الوصول لأهدافهن

الجلسات التالية على مدار الحصص المتبقية من الأسبوع، كانت عبارة عن عمل حقيقي ومنظم من الطالبات، شغلتهن المهمة المطلوبة وكانت محور حديثهن خارج الصف، وجاء العرض تعبيرا عن فهم ووعي لكل ما تمثله تلك المفاهيم ذات العلاقة بموضوع الدرس، في ترتيب شيق ومعبر عن أفكارهن.

كانت المعلمة انتبهت سابقا إلى عنصر لم تشمله في نشاطها وأشار له معظم الطلاب خلال عروضهم عن الأولية عن ورقة العمل، وهو الجانب الاقتصادي لتربية الحيوانات، لما له من تماس مع مجتمع القرية التي تحيى بها الفتيات، طلبت المعلمة من كل مجموعة أن تختار أحد الحيوانات في مجموعتها وتتخيل أنها مسئولة عن مزرعة لها، وتعد قائمة بأهم الأمور التي يجب مراعاتها للحفاظ على صحة الحيوانات، وكيف يمكن أن تستفيد منها ، مرة أخرى بالتعاون مع الأهل، استطعن أن يؤدين المهمة بنجاح وكفاءة.

لم ينتهي الأمر عند هذا الحد، بزغت في رأسها فكرة وقررت أن تنفذها فورا، وعلى الرغم من أن الدرس لن يتعرضوا له إلا في مرحلة دراسية أعلى، بعد عامين أو ثلاثة، إلا أنها وجدت أنه قد تم وضع أساس له من خلال ورقة العمل، وهو التمثيل البياني للمعلومات، تأكدت في البداية من استيعابهن لمفهوم القياس المتري، ثم بدأت باستخدام العروض التقديمية في توضيح مفهوم التمثيل البياني، باستخدام صور لحيوانات مختلفة على الرسم البياني، وتحويل الصور إلى خطوط.

للتحقق من فهمهن للمطلوب، طلبت من كل مجموعة أن يقمن بتحديد طول كل حيوان من الواردة في أرواقهن، ومن ثم ترتيبهم تنازليا، ثم قامت بتوزيع نموذج للرسم البياني مقسم طوليا، وطلبت منهم أن يستخدمنه في المقارنة بين أطوال الحيوانات، أدهشها أن العمل كان سهلا ولم يستغرق منهن وقتا طويلا، قامت بعد ذلك بطلب من كل طالبة على حدة أن تقارن بين حيوان وابنه من حيث الطول أو الوزن، وهو ما تحقق من خلال مساعدة بعضهن بعضا.

وبالنظر إلى النتائج، يمكن القول أن الدرس لم يسر تماما كما تم التخطيط له من البداية، وهو واحد من أهم السمات التي يجب أن تتسم بها أنشطة التعلم الأعمق، وهو المرونة الكافية للاستجابة لحاجات الطلاب وطبيعة أفكارهم، وهو ما يعد مفيدا للتخطيط لنفس الدرس في المرات القادمة بحيث يستوعب كل تلك المتغيرات، كذلك لم يكن الزمن المستغرق أطول كثيرا من الوقت المخصص لدراسة الوحدة، إلا أنه يمكن القول أن كل دقيقة منه تم إنفاقها بعناية في تطوير مهارات الطالبات وشحذ تفكيرهن.


وبالعودة إلى أسس التعلم الأعمق الستة (اتقان المحتوى الأكاديمي، التفكير النقدي لحل مشكلات معقدة، العمل التعاوني، التواصل الفعال، التعلم الذاتي "تعلم كيف تتعلم"، عقلية النجاح الأكاديمي)، هل تعتقد أن تلك الاستراتيجية التي قامت المعلمة بتنفيذها قد راعتها؟ بأي قدر؟ وكيف؟  

اليوم الخامس: التعلم من خلال التصميم

$
0
0
خلال سعيه لاختيار أحد موضوعات المقرر يتلاءم  مع ما يسعى له من دمج مهارات القرن الحادي والعشرين في تدريسه لطلابه في الصف الرابع، قام "موسى"باستعراض مجموعة من الفيديوهات التي تتناول مبادرات تعليمية سابقة، وكان إحداها يستعرض تجربة أحد مديري المدارس في تعزيز الطلاب باستخدام نسخ عن الجنيه الفلسطيني القديم، حيث يقوم المعلمون بمنح الطالب المتميز خلال الحصة جنيها يمكنه الشراء به أو استبداله من مقصف المدرسة، بهدف التعزيز بشكل جديد من جهة وتأصيل قيم وطنية من جهة أخرى.

وعلى الرغم من إعجاب موسى بالتجربة إلا أنه من جهة أخرى كان لديه اعتراض على استخدام الجنيه القديم المطبوع عام 1929، أولا لطباعته من قبل سلطة الانتداب البريطاني وليس من قبل حكومة وطنية، ومن جهة أخرى فالعملة مكتوبة باللغات الثلاثة: العربية والعبرية والإنجليزية، مما يتعارض مع حقيقة المجتمع الفلسطيني في تلك الفترة، وبالتالي يرسخ حقائق أو قيم قد تتعارض مع الهدف الأصلي منها، وفي المقابل فمازالت فلسطين حتى الآن لا تملك عملة رسمية متداولة، وبناء عليه قرر أن يكون ذلك هو صلب مشروعه التعليمي.. تصميم عملة فلسطينية.



اختار لمشروعه مدخل "التعلم من خلال التصميم"وهو واحد من التنويعات الحديثة على التعلم القائم على المشاريع، حيث يعمل الطلاب من خلال فرق عمل على جمع المعلومات وتصنيفها وتحليلها، ثم التعبير عما توصلوا إليه على شكل تصميم يمكن  يتم تطويره لاحقا إلى منتج فعلي، ومن خلال ذلك الجهد يكتسب الطلاب مجموعة من المهارات الهامة التي تتجاوز مدى المنهاج التقليدي، مثل جمع المعلومات والتعامل معها نقديا، وتصنيفها وفهرستها وإعادة تجميعها، وهو ما يساعد على نمو مهارات التفكير النقدي والتفكير المستقل والعمل الجماعي، كما أن استغراقهم في جمع  المعلومات وعملية البناء ستعمل بلا ريب على غرس قيم المواطنة، وتنمية شعورهم بالمسؤولية تجاه مجتمعهم، كما أن عملهم على تحويل كل ذلك إلى مخرج ابتكاري من شأنه أن يساعد على تطوير قدراتهم الإبداعية، وثقتهم فيها، هذا فضلا عن استغراق الطلاب في مجموعة من الموضوعات التعليمية ، بما في ذلك الجوانب الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والتاريخية والفنية المتعلقة بتصميم العملة.

بالإضافة إلى قدرته على تصميم النشاط بشكل متماسك، وقيادة العمل عبر مراحله المختلفة، واجهت موسى العديد من المشكلات التي ترجع إلى البيئة، فالتعليم المدرسي في إطار المنهاج المستخدم تقليدي لا يتضمن أي تشجيع على التفكير المستقل أو المشاركة بين الطلاب في عمل أصيل، أو القيام بممارسات تعليمية تنمي التفكير الإبداعي لدى الطلبة  وما زال المعلم يقوم بالدور الأكبر من العمل وما زال دور الطالب مستمع ومتلقي للعملية التعليمية فقط، ناهيك عن عدد الساعات اللازمة لانجاز النشاط وتعارضه بالتأكيد مع الجدول الدراسي المزدحم أصلا.

إلا أن الخبر السار هنا، هو أن الإدارة المدرسية منذ لحظة عرض المشروع عليها تحمست له، و قررت أن تدعمه وتقدم التسهيلات اللازمة لتحقيق ذلك، فتحويل المواد الدراسية إلى مهارات عند الطالب هو حلم لدى المدير، خالف ذلك قناعة مسبقة لدي موسى من أن الإدارات المدرسية جامدة وترفض التغيير، أو أنها تحاول الحد من صلاحيات الطالب أثناء فترة تدريبه، كذلك تلقى كامل التحفيز من معلمي المدرسة، وقدموا له العديد من الملاحظات والتوجيهات التي ساعدته على التغلب على ما يفتقد إليه من خبرة عملية.  

الخطوة الأولى كانت خلق تعاطف لدى الطلاب مع موضوع النشاط، وكان المدخل إلى ذلك هو النقاش حول العملة ودورها في المجتمع، وتمكن من خلال استعراض مجموعة من النماذج  لعملات عربية وأجنبية أن يساعد الطلاب على استكشاف أن دور العملة لا يقتصر فقط على البيع والشراء والتبادل التجاري وحفظ الثروات، إنما كذلك تعكس هوية الأمة وتاريخها وأهم معالمها الدينية والتاريخية وكذلك أهم الشخصيات السياسية أو المؤثرة فيها، عقب ذلك النقاش  طرح عليهم موسى فكرة المشروع، تحمسوا له على الرغم من عدم ثقتهم في قدرتهم على إنجازه وعدم معرفتهم لطريقة العمل به.


الخطوة الثانية كانت تقسيم الطلاب إلى فرق، وتحديد دور كل طالب في فرقته، والهدف هو  تحديد أهم العناصر اللازم توافرها في تصميم العملات الورقية، وبناء عليه تم تحديد أهم العناصر اللازم توافرها في العملة الورقية بشكل عام، وتم الاتفاق معهم على التزام كل مجموعة بهذه المواصفات باعتبارها الحد الأدنى لعناصر التصميم، وفقا لتقديره اكتسيت هذه الخطوة أهميتها في مشاركة الطلاب في تحديد معايير التصميم اللازمة ومن ثم معايير تقييم النشاط، ومن جهة أخرى كانت بمثابة تدريب لهم على العمل ضمن مجموعات.


في الخطوة التالية كان مطلوب من الطلاب تطبيق هذه المواصفات على العملة الفلسطينية  التي يقومون بتصميمها، تطلب ذلك من الطلاب جمع المعلومات من الكتب وعبر الانترنت ، معلومات عن شخصية وطنية ،أو معلومات عن تاريخ البلد ،أو معلومات عن معالم دينية ،أو معلومات عن معلم اثري أو بعض الرموز المهمة بهدف وضعها على العملة، وتنظيم المعلومات على شكل خريطة معرفية، ثم عرض كل مجموعة لمحتوى المعلومات الذي جمعته من خلال قائد المجموعة ومناقشتها مع المعلم .

بعد عرض كل مجموعة ما لديها من معلومات يتم إبداء ملاحظات المعلم و التعليق عليها ومناقشتها مع باقي المجموعات بحيث تستفيد كل مجموعة من الأخرى (تبادل الخبرات بين المجموعات)، اتفاق كل مجموعة على شكل العملة التي تريد القيام بها من حيث : الشكل ،الحجم، المادة المصنعة أو الصور أو الكتابة والشكل العام للتصميم، إلا أنه في النهاية تم الاستعاضة عن إنتاج العملة بعمل  نموذج أولي  prototype، نظرا لعدم توافر الإمكانات المادية اللازمة لذلك، وبعد ذلك قامت كل مجموعة بعرض إنتاجها أمام المجموعات الأخرى.




ولتقييم أثر تلك الإستراتيجية على طرق التفكير عند الطلاب، لجأ موسى للكتابة الذاتية للطلاب ، حيث طلب منهم أن يسجلوا آرائهم حول طريقة التدريس المستخدمة وتقييمهم لها، ولاحظ أن الطلاب اتسموا بالوعي للإجراءات التي قاموا بها وأهمية كل منها في الوصول إلى الهدف النهائي، وذلك الإحاطة ليس فقط بما تم اكتسابه من معلومات ولكن  بطريقة التعلم ذاتها، كما أدركوا الفرق بينها وبين طريقة التعلم التقليدية، وإعجابهم بكل الطريقة لما فيها من حرية واستقلالية، واستثارة ودافعية وتحدي لقدراتهم.

قبل الانطلاق في المشروع كان موسى متخوفا من قدرته على إنجازه، وتحمل التذمر من بعض الأهالي حول تخصيص الطلاب لوقت لانجاز المشروع مقتطع من وقت الدراسة، وكذلك عدم قدرة الطلاب على العمل معا، ليس لعدم رغبتهم بشكل أساسي ولكن لعدم معرفتهم بكيفية تنفيذ ذلك، بالإضافة طبعا لعدم اتساع الجدول المدرسي لمثل هذه الأنشطة، وعدم توافر المواد اللازمة في المدرسة، وهو ما تطلب المزيد من المرونة ليمكن تحقيق ذلك، وفي النهاية تمكن الطلاب من إنجاز المهمة بمنتهى الكفاءة، وخلال ذلك تم تطوير مجموعة من مهارات القرن الحادي والعشرين اللازمة لأولادنا ليتمكنوا من العيش والعمل بفعالية في الفضاء العام وحياتهم الخاصة كذلك.

وبعد، هل تعتقد أنك قادر على تحقيق ذلك في مدرستك؟ هل تمتلك الجرأة لقيادة مثل هذا النوع من التعلم؟ هل ترغب في أن يتعلم أولادك بمثل هذه الطرق؟

نماذج للعملات التي قام الطلاب بتصميمها:











المعلم ذو البعد الواحد

$
0
0
المعلم ذو البعد الواحد
One-dimensional Teacher
(1)

يعد مصطلح "الإنسان ذو البعد الواحد"واحد من أهم المصطلحات النقدية في القرن العشرين، والذي صاغه المفكر الألماني "هيربرت ماركيوز"Herbert Marcuseليدلل به على طبيعة الإنسان الذي تخلقه الرأسمالية المعاصرة، نمط الفرد الاستهلاكي المؤمن بدوره كمنتج ومستهلك، إنه الإنسان "الأداتي"أي الذي يتحول لأداة في يد النظام/ المجتمع لتحقيق وظيفة مادية محددة، بدون التساؤل النقدي عن جدوى أو أهمية ما يقوم به، ومدى اتساقه مع تكوينه النفسي.

وعلى الرغم من زوال الشروط الحضارية المصاحبة لنشوء المصطلح في بيئته الأصلية (الحضارة الغربية)، إلا أنه مازال صالح للاستخدام لتفسير الكثير من الظواهر المجتمعية في الوطن العربي ، للعديد من الأسباب التي أدت لتشابه الظروف الحضارية، وأهمها تغول اليمين المتمثل في التحالف بين الجماعات المسيطرة سياسيا واقتصاديا، وتبنيها لخلق ظروف واقعية يتوارى فيها القمع الأمني خلف القمع "الناعم"، لإحكام السيطرة وفق تشكيلة معينة، والتي يلخصها د. عبد الوهاب المسيري في عبارته "غياب الحرية في إطار ديمقراطي سلس معقول"، أو قدر من هذا وذاك، وهو ما يحتاج تفصيله إلى مدخل مستقل، لذلك سيقتصر تحليل اليوم على تطبيقات الظاهرة في ميدان التعليم، أو على أحد جوانبها، وهو "المعلم ذو البعد الواحد".

حيث يتمركز المعلم في ظل تلك الأنظمة حول بعد واحد، وهو بعد "الوظيفة"، والتي تعني بأبسط معانيها، قضاء عدد من الساعات شهريا، يقوم خلالها بمجموعة من المهام، المنصوص عليها في اللوائح، نظير أجر شهري محدد، وفي ظل هذه المنظومة،  يخضع المعلم لسيطرة وهيمنة من القوى المركزية المسيطرة على التعليم (المركزي بدوره)، وعلى الرغم من بساطة تلك المعادلة وخلوها من التعقيد، إلى الحد الذي تبدو فيه محايدة بعيدة عن الغموض أو التحيزات، إلا أنها في جوهرها معادلة مخادعة وتمييزية، تهدف لتثبيت الوضع القائم، والذي هو إنسانيا ومهنيا وطبقيا في غير صالح المعلم.

المجال الوظيفي للمعلم ذو البعد الواحد
 إذا ما أردنا تحديد مهمات المعلم الحقيقي، فإنها تعني من حيث المبدأ الشخص المكلف برعاية النمو الشامل للمتعلم، وإثارة وعيه وتنمية قدراته إلى الحد الأقصى، مساعدة الإنسان في موقع الطالب على استكشاف ذاته والعالم، توجيهه إلى تبني موقف من التاريخ والثقافة والحضارة والعلم، ومن كل ما هو جوهري في حياته، ومن ناحية عملية مساعدة الطالب على اكتساب المهارات التي تؤهله لاستيعاب معارف عصره،  والحياة في المستقبل، بما يتضمن امتلاك المهارات المعرفية والشخصية التي تسمح له بمواصلة دراسته إلى مستويات أرقى في تخصص ما، والقدرة على الوصول إلى سوق العمل.

قد يكون هذا كله أو أكثر أو أقل، إلا أنه بالمجمل لا يتضمن أيا من ذلك في الوصف الوظيفي لمهنة المعلم، أو لنقتصر على المعنى الوظيفي لها، المدرس، حيث تقتصر الوظيفة على مجموعة من الأعباء اليومية والأسبوعية والفصلية (السنوية)، والتي تتشكل من ألاف التفصيلات الفنية والورقية، التي تعزل المعلم عن القدرة على التأمل فيما يقوم به حقا، أو في مقدار التقاطع بين هذه الأعباء وبين ما يميز دور المعلم الحقيقي، والتي يمكن الجزم بأنها لا تحدث هنا بشكل حقيقي ومخطط، وبالتالي فإن مساهمة المجال الوظيفي للمدرس في تحقيق واجباته كمعلم لا تحدث إلا بشكل عرضي، وبالصدفة.

ويلعب الوقت عامل حاسم ضد المعلم، وفقا لجدولة زمنية مبرمجة تبقي المعلم محاصرا بعدد لا متناهي من الدروس غير القابلة للإنجاز في الوقت المحدد، مما يجعل من أية محاولة لتعميق التعلم أمرا غير قابل للتحقق، ويتخذ الوقت هنا أيضا مفهوم وظيفي، حيث يرتبط بساعات دوام محددة ومعلبة "مقسمة"بشكل مسبق (زمن الحصة، مدة الفصل الدراسي، عدد ساعات العمل الأسبوعية....)، لا يتساءل المعلم هنا عن مدى جدواها أو أهمية ذلك التقسيم، إنما يتعامل معه على نحو مطلق باعتباره واحدا من تدابير القدر، غير القابلة للتساؤل عنها.
ونفرق هنا بين التساؤل باعتباره فعل نقدي وإيجابي، وبين التذمر باعتباره تصرف سلبي، فالشكوى من عدد ساعات العمل الأسبوعية أو مدى كفاية الزمن المخصص للحصة الدراسية أو طول فترة اليوم الدراسي، غير المصحوبة بفعل يمكن أن يحدث تغييرا على السابق، نادرا ما تحدث تأثيرا على صناعة القرار، بل هو مجرد انتظار فعل ما من شخص آخر يمكنه تغيير ذلك، ومع الزمن يصبح التذمر، بغض النظر عن كون أسبابه حقيقية أو لا، عادة عند المعلم، تماما مثلما يعتاد نفس الظروف التي تسبب التذمر.

عنصر آخر يصبغ عمل المعلم في هذا التصنيف، وهي البعد الواحد للوظيفة، الممارسة الحرفية المتقنة لعمل تكراري يتحرك في رقعة محددة من المهنة، لا يتيح له النظام أي تنوع في طبيعة العمل، وغالبا ما يستسلم لهذه الرقعة المحدودة، وشيئا فشيئا يستسلم لها بل ويلتزم بها، ويرى في أي محاولة لإخراجه منها عملا مستهجنا، والغريب هو أن ذلك المحور تحديدا ما يشكل دوما أحد نقاط الهجوم من النظام التربوي ضد المعلمين كمجموع، عدم قدرتهم على المواءمة مع التغيرات الحادثة في التعليم، مع أنه هو من حصرهم في ذلك المربع ابتداء.

ويقف "المعلم ذو البعد الواحد"وحيدا في مواجهة السلطة التربوية من جهة، والأعباء المكلف بها من جهة أخرى، ما يجعله باستمرار محدود التأثير على الجهتين، فلا هو يملك القوة اللازمة للتفاوض مع السلطة التربوية بخصوص الأعباء والاحتياجات، ولا هو يملك العزم اللازم لإحداث التغيير الممكن في مجال عمله، وهو ما ينشأ بالضرورة عن "فردية"العمل المدرسي، حيث غالبا ما يتم العمل داخل المدرسة بشكل منفرد، ويتخذ التعاون منحى شخصانيا لا مؤسساتيا، في الحين الذي تتسم فيه العلاقات المهنية بالفتور، وبالتالي فإن المهمات التي تتطلب عملا جماعيا (الربط بين الموضوعات العلمية في مقررات مختلفة على سبيل المثال) والمشكلات التي لا يمكن حلها إلا بتضافر الجهود (التراجع الدراسي مثلا) لا تجد مجالا حقيقيا للتنفيذ، وحتى على مستوى الأجسام التنظيمية للمعلمين، فإنها تصرف جهدها غاليا في متابعة المشكلات الإدارية أو المطالبات المالية، ولا تنفذ فعليا إلى فنيات العمل التعليمي.

إذا وبشكل إجمالي، فإن "المعلم ذا البعد الواحد"هو إنسان معزول حقيقة عن سياق الفعل إلا في حدود الإجراءات المتاحة، وبالتالي فهو معزول عن دائرة التأثير المجتمعي، ولا يمكن باعتباره بحال من الأحوال عنصر مؤثر في صناعة التغيير، أو عامل حاسم من عوامل التطور، إنه الموظف في موقع المعلم، إنه الإنسان "الأداتي"، أي الذي تحول إلى أداة في يد المؤسسة، وهو بالضرورة تابع لها غير مؤثر فيها، ولا يتوقف ذلك عند حدود الوظيفة، إنما يتعداها إلى السياق الاجتماعي الذي يفقد فيه المعلم أي تقدير أو حظوة، وهو ما سنناقش انعكاساته المعرفية والأخلاقية والاجتماعية في المقالات القادمة.

المعلم ذو البعد الواحد (2) المعرفة

$
0
0
المعلم ذو البعد الواحد
One-dimensional Teacher
(2)
المعرفة
إن ما يجعل للبحث في ظاهرة المعلم ذو البعد الواحد أية فائدة، ليس فقط محاولة الكشف عن أسباب انهيار القيمة التي يمثلها المعلم والتعليم في المجتمع، ولكن أيضا انقاذ الجهد الضائع لآلاف المعلمين والمعلمات، العمل اليومي المكرر بلا فائدة أو أثر حقيقي، وبصفة خاصة ما يعنيني هنا بشكل شخصي هو تمييز هؤلاء المعلمين الحقيقيين الذين يبذلون أقصى جهودهم لتحويل كل درس إلى خطوة في سبيل وعي الطلاب بوجودهم، عن كل هؤلاء الآخرين غير القادرين على تجاوز حدود وظيفتهم.

والفكرة الأساسية التي أسوقها هنا هو أن حرية المعلم وقيمته وتأثيره في المجتمع تبدأ من داخل الصف وليس من خارجه، وأي حراك للمعلمين مهما بلغ مداه، طالما لا يرتكز على إعطاء المعلم سيطرة على مجال عمله بالصورة التي تمكنه من اختيار المفردات وتفسيرها، هو حراك وقتي ومحدود التأثير، وطالما استغنى المعلم عن دوره الأساسي في إثارة وتشكيل الوعي، فهو بذلك يرتضي المكانة المتهالكة التي اصطلح المجتمع على نسبها له، فبدلا من أن يكون رائدا للتنمية في بعدها الإنساني، يصبح عبئا عليها إن لم يكن معيقا لها. 

وتلعب نظرية المعرفة دورا هاما في إدراك المعلم لوجوده وأهمية دوره، إنها التساؤل حول ما نعرف، وكيف نعرف ما نعرف، وإلى أي حد معرفتنا دقيقة، هل هي مهمة؟ هل هي واقعية؟ هل هي نهائية؟ هل تختلف المعرفة باختلاف الذات العارفة؟ وهل يختلف معناها من سياق لآخر؟ كل تلك التساؤلات وأكثر تثيرها نظرية المعرفة، ومن خلال إجابته على تلك الأسئلة يكون المعلم معتقداته المعرفية، التي تؤسس في النهاية للعلاقة الثلاثية المقدسة: الطالب، المعلم، المنهاج.

أما المعلم ذو البعد الواحد فلا يميل  إلى التساؤل عن أصل المعرفة ولا كيف تكتسب، أو التفكير النقدي في الآراء السائدة، أو الفحص النقدي للعلوم والمعارف، ولا يزيد ذلك في تفكيره عن كونه مجرد "فلسفة فارغة"، لا ترتبط بعمله وليس لها تأثير على الواقع، فهناك نسخة واحدة من الحقيقة، هي ما يقررها المنهاج، ودوره هو نقلها إلى الطلاب، من خلال الشرح المصحوب بالكتابة على اللوح، والمطلوب من الطلاب اتقان حفظ المادة العلمية، وإلا فإنهم غير قادرين على التعلم، وهذا النموذج واهي معرفيا، إلى الحد الذي يتساوى فيه مع الجهل والخرافة، ليس فقط لإنه مخالف لكل نظريات التعلم حول اكتساب المعرفة، بل لإنه بالأساس مخالف لطبيعة المعرفة البشرية.

ولعل ثقافة تقديس النص البشري المتأصلة في صلب الثقافة العربية، تتخذ أقصى تجلياتها في النظام التعليمي، فالمعلم ذو البعد الواحد لا يعترف بالعلم كعلم نافع وصالح للأغراض الدراسية، إلا حين يتم كبسلته وتعبئته بين دفتي المقرر، هو لا يؤمن فقط بالانفصال بين العلوم، بل يؤمن تماما بالانعزال بين فصول العلم نفسه، فما تم دراسته في نفس العلم في سنوات أو فصول سابقة لا يصلح أن يكون مادة للتدريس في الفصل الحالي، مهما كان درجة ارتباطه بالموضوع.

ولا يؤمن المعلم ذو البعد الواحد بحيوية المعرفة المستمدة من ارتباطها بالواقع،، وعند الإشارة إلى بعض التطبيقات (شريطة أن تكون تلك التطبيقات مذكورة نصا في الكتاب المقرر) فلا مجال هنا للطلاب للممارسة الحرة خارج الخطوات المنصوص عليها، أو لاستنتاج المعرفة بذاتهم من خلال عملية بحث وتنقيح، سواء تحت حجج الوقت أو الإمكانات أو أيا من هذه الحجج، إلا أنها بالأساس ترجع لقناعة راسخة أن الطلاب لا يستطيعون الوصول للمعرفة إلا من خلاله "إذا لم أشرحها لهم، فكيف سيستوعبونها؟"، وطبعا المعرفة المقصودة هنا ليست المعرفة بإطلاقها، ولكن المعرفة المحددة في المقرر.

المعرفة هنا كما يتناولها المعلم ذو البعد الواحد، المدرس، ليست فقط معزولة عن الواقع، بل هي منزوعة الصلة أيضا عن خبرات الطلاب وخلفياتهم بالكامل، فما يعرفه الطلاب بالضرورة من البيئة ليس مدخلا لأي شيء، إلا في حدود ما يتيحه المنهاج، وغالبا ما يتم تناولها، هذا إذا تم الإشارة إليها أصلا، بشكل عرضي وسطحي، كذلك فهي معرفة معزولة عن قناعات المعلم وممارساته، إلى الحد الذي يسمح له أخلاقيا بتدريس معلومات قد لا يؤمن بصحتها أو بحداثتها، بل إن المعرفة في المقرر وفقا لرؤية المعلم ذو البعد الواحد معزول عن التطورات الحادثة في العلم نفسه، فكل التطورات التي يشهدها العلم في فرع من الفروع مقطوعة الصلة تماما بالدروس التي يقدمها المعلم في الصف، ببساطة لإنه لم ينص عليها المنهاج.

كل ذلك ما هو إلا أعراض لتقديس النص المدرسي، انعزال النص عن أي سياق تتم فيه عملية التعلم، فهو نص مقدس بذاته ولذاته، غير خاضع للتأويلات والتفسيرات الشخصية، سواء للمعلم أو الطلاب، حالة من حالات الانسحاق المعرفي أمام المنهاج والانصياع التام له، تجسيد مطلق لما يكمن أن نسميه "إغلاق العقل الفلسطيني"، والتي ينتج عنها ظاهرة جد خطيرة، تتبدى في سلوك المعلم ذي البعد الواحد وتنعكس على طلابه، ألا وهي غياب التفكير النقدي.

ويؤدي غياب التفكير النقدي إلى التسليم بكل ما يطرح عليه كحقائق، بغض النظر عن مصدرها أو مضمونها، مما يتجلى في عدد من المظاهر، مثلا ما يمكن تسميته بالإيمان الخطابي، حيث تكتسب اللغة ذات الصياغة الخطابية مصداقية عالية، دون تمحيص محتواها وفحص صدقيتها، أو التركيز على قشور المعارف دون القدرة على النفاذ إليها، وهو ما يمكن أن يكون أحد عوامل فقدان التواصل مع التطور الحادث في مجال العلوم أو حتى في طبيعة المعرفة ذاتها،  وكذلك سهولة انتشار الإشاعات والمعارف المغلوطة والأفكار الخرافية وتصديقها، كما يتجلى في وسائل الإعلام الاجتماعي وعبر الشبكات الاجتماعية.

مما سبق يتضح لنا تفاهة المعرفة التي يمثلها المعلم ذو البعد الواحد وسطحيتها، حتى دون أن نعرضها على النظريات المعرفية الأحدث تطورا في التعلم (الترابطية على سبيل المثال، والتي ترى أن لب عملية التعلم يقع في التركيز على العلاقات بين المعارف لا في تعلم المعارف ذاتها)، أو نربط بينها وبين التطور الحادث في مجال تقنيات التواصل والمعرفة، حيث أن ذلك النموذج المعرفي المترهل أبعد ما يكون عن القدرة على التواؤم معها أو الاستفادة منها، إن الاحتكام للحس الجيد فحسب قادر على تمييز عدم فاعلية تلك المعرفة أو ما يمكن أن ينتج عنها.

ويجادل البعض بما يمكن أن يمثله بعض المتفوقين من خريجي هذا الشكل من الممارسات في العديد من المجالات، يمكن أن نقول باطمئنان أنهم قد تميزوا بالرغم من هذا المنهاج وليس بسببه، وعندما نتحدث عن التعليم العام، لا يمكن أن نجادل بحالات فردية في مقابل مئات الآلاف من خريجي هذا النظام، والذين يستسلمون تماما لتبعاته (والتي بطالة المتعلمين ليست أقلها)، بل يمكن أن نعزو هذا التميز للقلة من المعلمين الحقيقيين الذين يرصعون النظام التعليمي كالنجوم.

إن ما أؤمن به قطعيا، إن أي حركة تحرر أو تنمية لا يمكن أن تتم في ظل معلمين تلك هي ممارساتهم المعرفية، ولا يمكن للمعلم أن يسترد أيا من مكانته في المجتمع، دون استبدال هذه القناعات بمبادئ تعكس وعيا أكبر بالعالم الذي يحيى فيه.

المعلم ذو البعد الواحد (3) الفن والتربية الفنية

$
0
0
المعلم ذو البعد الواحد
One-dimensional Teacher
(3)
الفن والتربية الفنية

لا يمكن أن ننتهي من تناول النموذج المعرفي للمعلم ذو البعد الواحد، دون أن نتطرق إلى الفن، لعدة أسباب ليس أقلها أن التقسيم السابق بين المعارف النظرية والعلمية والفنية لم يعد معمولا به في نظريات المعرفة الأحدث من جهة، وعلى صعيد التربية يلعب الفن دورا أساسيا في التعلم المعاصر، إلى الحد الذي يمكن القول أنه اضحى مدخلا أساسيا لسائر موضوعات التعلم، وقبل كل شيء آخر، فإن الفن يهدف إلى تنمية الذوق، والذي لا يزيد في أبسط تعريفاته عن القدرة الحدسية على التمييز بين الصحيح والخاطيء، بين الحسن والقبيح...واحدة من القدرات التي يحتاج طلابنا لشحذها والتدريب عليها بكثافة.

ولا يستجيب المعلم ذو البعد الواحد لهذا النوع من التطورات الحادثة على صعيد المعرفة والتعلم، ولا يهتم بتطوير ما لا يمكن قياسه من خلال اختبار ورقي كتابي، وبالتالي ينظر بعين الريبة إلى تلك المحاولات الخجولة لإعطاء أهمية نسبية للتربية الفنية.

وتميز المعرفة التقليدية التي يستند إليها المعلم ذو البعد الواحد بين "المواد الدراسية"وفقا لتراتبية معرفية كلاسيكية، تتربع على عرشها الفيزياء والرياضيات، تليها المواد العلمية واللغة الإنجليزية، ثم المواد الأدبية واللغة العربية، بينما تقبع الفنون والدراسات المهنية في قاع الأهمية التعليمية، ويرجع هذا التقسيم لمعايير بالية، ترتبط بتصورات النخب في مرحلة تاريخية من جهة، ووفقا لتراتبية تفرضها النظرة الاجتماعية إلى تخصصات أكاديمية بعينها تخصها بعين الرفعة والإجلال من جهة أخرى.

وتنعكس تلك التراتبية أيضا على الأهمية النسبية للمعلمين والطلاب داخل المدرسة وخارجها، فبينما نجد أن معلمين الرياضيات والفيزياء عادة ما يحوزون النصيب الأوفر من الدعم والتقدير، ويحظى معلمو اللغة الإنجليزية بمكانة خاصة لسبب ما، فإن معلمي الفن غالبا ما ينالون التحفيز الأقل، وتبدو مطالبهم غالبا في نظر الإدارة مستغربة أو مبالغ فيها، ليس لانعدام الثقة أو التقدير الشخصي بل لقلة التقدير لتلك الجوانب الفنية وتهميش دورها في عملية التعلم، والتي يتجسد في مصطلح "الاشغال"ويعني قيام المعلمين من التخصصات الأرقى، بتعليمات من الإدارة، بالسطو على الحصص المخصصة للتربية الفنية أو المهنية أو الرياضية، ففي نظر معظم المعلمين والإدارة لا لزوم لها "كلام فاضي".

فالنمط المعرفي المحافظ للمعلم ذي البعد الواحد لا يهتم بالتنوع في الاستجابة الذي يطرحه الفن، فهو يهدف في النهاية إلى نمط إجابة واحد يصدر عن المتعلمين جميعا، وبالتالي فهو يستثني التنوع في وجهات النظر الذي يطرحه الفن باعتباره مخالف لما يتوقعه من الطلاب، كذلك فتطور الأهداف خلال العمل الفني مخالف لكل ما تعلمه ومارسه من ثبوت الأهداف بشكل مطلق، وبالتالي فإن تضمين معرفة الطالب في عمل فني أمر لا يستسيغه ولا يستوعبه، حيث تركز ممارساته بالضرورة على تسطيح المعرفة وتفريغها من أي عمق....مجموعة من الجمل الجوفاء التي يمكن  للطلاب كتابتها على دفتر الامتحان.

إن ممارسة الفن تنطوي دوما على معايشة تجربة تعجز اللغة العادية عن صياغتها، وفي حال ممارسته خلال التربية الفنية أو خلال العلوم الأخرى، تعتمد الاستجابة الفنية على تكثيف المعاني والأفكار والمشاعر في كل واحد ودقيق، تلك نتيجة لا يفهمها المعلم ذو البعد الواحد، فالمدرسة بالنسبة له ليست المكان الأمثل لممارسة الحياة، ولا مجال للخبرات الحية المعاشة، والمادة التعليمية بالنسبة له هي معارف جامدة لا حياة فيها ولا مشاعر، إنها مواد محايدة لا مجال للذاتية في الفهم أو التعبير.

لذلك اعتقد أن معلم "التربية الفنية"ذو البعد الواحد، هو أسوأ أنواع المعلمين قاطبة، فهو مبدأيا لخاضع نفس النمط المعرفي، وقناعاته تصب في مصلحة التقسيم الاجتماعي للعلوم المدرسية، ويرحب عادة بتمرير حصته إلى المعلمين الآخرين، فهي مجرد عبء ملقى على عاتقه (إلا في حال أن ذلك يتضمن تكليفه بمهام أخرى غير التدريس، مثل المساعدة في بعض الأعمال الإدارية)، فهو أيضا ينفذ المنهاج بحذافيره، ولا يرى في إثارة حماس الطلاب أو استغراقهم في تجربة فنية، جزءا من مهامه، إلا بالقدر الوارد في المنهاج، وهو ما يرسخ تلك القناعات في عقول الطلاب ويتدرجون في التعليم وفقا لها.

وينعكس غياب الحفاوة بالفن، على تدني "الذوق الفني"في جميع عناصر الحياة المدرسية، فالكتب الدراسية سيئة التصميم والإخراج، والصور والرسومات الموجودة فيه رديئة غالبا "خصوصا النسخ المحلية منها"، والرسومات على جدران المدارس سطحية ومتكلفة، وتعكس مفاهيم وأساليب فنية تافهة في معظم الأحيان، هذا في حال تواجدها أصلا، ويخلو تصميم الصفوف وغرف التدريس غالبا من أي لمسة فنية، أما الموسيقى والتمثيل وأشكال الفنون الأخرى، ناهيك عن ندرتها، فهي وإن وجدت فهي غالبا لا تخلو من فجاجة وسطحية.

ولا يدل على هذا التدني في الذوق، من العروض التقديمية (أو أي شكل من أشكال الملتيميديا التعليمية) التي يستخدمها أو يقدمها معظم المعلمين، حيث تخلو غالبا من أي لمسة فنية، ويتم استخدام الألوان والأشكال والصور فيها بشكل فج، والحركات المصاحبة والمؤثرات مفتعلة ومزعجة، وكأن أحدا لن ينظر إليها أو بمعنى آخر، تعتمد مبدأ أن الطلاب مجبرين على النظر إليها، وأن المعلم قد قام بأكثر من واجبه لمجرد تعطفه وقيامه بعمل عرض تقديمي.

اعتقد أن تدني الحاسة الفنية أو الذوق الفني يرتبط دائما بحالة من الانحدار الثقافي بشكل عام، يمهد لها ويشجعها ويمدها بأسباب وجودها وتوغلها، وفي المقابل فإن الفعل الفني الحقيقي يتضمن في جوهره تأصيل حضاري، ويمكن تشخيص غياب التربية الفنية كعرض من أعراض تدني الثقافة المدرسية بشكل عام، وغيابها عن تقديم خبرات حقيقية ومعاشة للطلاب، ومن الناحية العلمية المجردة، فغياب التربية الفنية عن التأثر على التكوين العلمي للطلاب، وانفصالها عن العلوم الأخرى، ما هو إلا تكريس لحالة مقيمة من "الرجعية التربوية".

للمزيد عن أهمية التربية الفنية في التعليم المعاصر:
إلهام الكتابة الإبداعية العميقة من خلال الفن: http://goo.gl/s0PzrN
سبع مهارات قيادية تدعمها التربية الفنية: http://goo.gl/wsuoUh
توظيف الفنون البصرية للتفكير الناقد: http://goo.gl/9tc2Jy
كلنا فنانون: http://goo.gl/4jx76P
التابلوهات "اللوحات الفنية"الحية: التاريخ والممارسة: http://goo.gl/kGyil4




أما آن الأوان أن تكره معلمك القديم فيك؟

$
0
0
خلال دراساتي الفلسفية، بحكم التخصص الأكاديمي الأولي، صادفتني عبارة في كتابات الصوفية حيرتني كثيرا لتطرفها في القسوة، "اقتل أمك"، وهي العبارة التي تصف الخطوة الأولى في سبيل المجاهدات الصوفية، النصيحة التي يقدمها المعلم الصوفي لطالبه المبتدأ في مدارج الواصلين، واحتاج مني الأمر دهرا كي أصل إلى مغزاها الحقيقي، فكيف لمن يسير على درب الحب أن يبدأ بالقتل؟ حتى ولو كان القتل رمزي هنا، والأم؟ من منا يتقبل خدش أمه حتى؟

العبارة في تطرفها وقسوتها ترمي إلى قدرة الراغب في الوصول إلى الحقيقة على قطع العهود، وإصراره على السير في مسالك المجاهدين، والذي لن يتأتى إلا بقدرته على التخلص من كل علائق الدنيا وارتباطاتها، والإخلاص في العشق للخالق، وكل المجاهدات التالية لن يكون لها قيمة إذا بقى في قلبه من حب الدنيا أو رغبتها إلا ما يكفل له الاستمرار على الطريق، لذلك يأتي "القتل"مقرونا هنا ب"الأم"التي هي أغلى ما يملك الإنسان، ورمز لكل ما يجده الإنسان في حياته من خير ومشاعر نبيلة ومنح بلا مقابل، ومع ذلك يجب التخلص من مشاعره نحوها، كبداية أصيلة للتحول نحو الاكتمال من منظور صوفي.

وبنفس القسوة والرمزية لكن بعيدا عن الصوفية، أرى أن كل معلم لن يحقق وجوده الأصيل إلا إذا استطاع أن يكره معلمه، أن يتخلص من تلك القداسة الزائفة لكل ما يمثله معلمه له، نعم يجب توقيرهم وتبجيلهم كأشخاص افنوا حياتهم، حرفيا لا رمزيا، في محاولاتهم لصنع شيئا ما من عقولنا، لكن يجب أن نكره كل مرة شرحوا لنا أمرا مانعين إيانا من اكتشافه والتوصل له من خلال البحث والاستنتاج، أن نكره كل مرة لم يسألوننا عن رأينا فيما يقدم إلينا من معرفة أو ماذا استفدنا منها، كل مرة أجابوا بتلك النظرة الغامضة في أعينهم "ستعرف قيمة ذلك في المستقبل"، جاء ألف مستقبل ولم نعرف بعد.

كمعلم بشكل خاص يجب أن تكره أساليبهم في تعليمك حتى تستطيع أن تتجاوزها، هل قدموا أفضل ما عندهم؟ لا شك في ذلك، هل هي جيدة؟ ربما بمقاييس ذلك الزمان، لكن بمقياس الوقت الذي تحياه هي عتيقة وبالية ولا تصلح، لذلك يجب عليك أن تكره كل ما يتشابه في أساليبك مع ما قدموه لك.


اكرههم لمرة واحدة وأخيرة بسبب ما علموك إياه من طاعة النظام والالتزام بأوامره حتى لو لم تكن مقتنعا، ربما لم ينصحونك بذلك صراحة، لكنهم غرسوها عميقا في نفسك من خلال تدريسهم لمناهج ودروس مليئة بالحشو الزائف وبعيدة عن حاجاتك، لم يعترضوا عليها رغم إيمانهم بأنها لا تحقق أي فائدة، رغم علمهم أنك ستنساها بمجرد أن تنتهي من الاختبار، اكرههم لأن هاأنت في مكانهم وتعيد تكرار نفس الموقف.
Viewing all 87 articles
Browse latest View live