التأمل Meditation أو يقظة العقل Mindfulness وتأثيرها على الانفعالات العدائية لأطفال المدارس
إسراء صوفيوفي خلال بحثي عن أساليب التدخل التي من شأنها أن تسهم في التخلص من الانفعالات العدائية لطلاب المرحلة الابتدائية في مدارسنا التي مازالت ترى أن العقاب يكاد أن يكون الوسيلة الوحيدة للردع، عثرت على مقال يتحدث عن توظيف التأمل أو اليقظة الذهنية في أحدى المدارس الأجنبية، جذبني الموضوع للإطلاع أكثر على العديد من المصادر حول الموضوع، وجدت أن التأمل وتمارين الاسترخاء من الممكن ان تساعد في القضاء على الكثير من الانفعالات السلبية لدى الاطفال، بل وإنها تساعد في التخلص من أعراض الاكتئاب، وحل الكثير من المشكلات الصحية كأمراض القلب واضطرابات النوم، كما تسهم في تطوير الدماغ بأكمله، من خلال تحسين الشعور بمعنى الحياة، وتعزيز الاستجابات الكيفية لمواجهة الضغوطات، للوصول نهاية الى الصفاء الذهني وزيادة التركيز والانتباه. إن أهمية اليقظة العقلية تكمن في اختلافها عن التدخلات التقليدية في سعيها إلى تعليم الأطفال مراقبة افكارهم وانفعالاتهم والوعي بها من اجل تقبلها كما هي دون انفعال تجاهها، وليس لمحاولة تغييرها.
فكانت فكرة الدراسة في أن تتعرف على مدى فاعلية استخدام اليقظة العقلية القائمة على تمارين التأمل والاسترخاء، للتخفيف من حدة السلوكيات العدوانية، وجعلها جزءا لايتجزء من ثقافة المدرسة وثقافة الطلاب، لتحقيق ذلك فقد قررت بمساعدة مشرفي ومن خلال بحثي واطلاعي أن أقوم بإعداد برنامج لمدة اسبوعين كحد أدنى تظمن 10 جلسات بواقع 15 عشر دقيقة للجلسة الواحدة .
في الأسبوع الأول تعلمت فيه انا وأطفالي وضعيات الجلوس بشكل مريح، وتمارين التنفس للاسترخاء من خلال مراقبة الهواء اثناء الدخول والخروج مع العد، ومن ثم تخيل أشياء جميلة والتركيز عليها، حيث ترافق هذا التمرين مع موسيقى هادئة تساعدهم على ذلك، وفي نهاية الجلسات كنت أطلب منهم أن يصفو لي المكان والإحساس المرافق لتخيلهم ، وتنوعت الجلسات بين جلسات مفتوحة في ساحة المدرسة، أو في غرفة صغيرة أعددتها لهذا الغرض.
أما عن الاسبوع الثاني من البرنامج فقد احتوت الجلسات على سردي لهم قصة يتخيلونها ومع التخيل يقومون بتقليد الاشياء الموجودة فيها باستخدام خيالاتهم والتركيز على عضلات معينة في أجسامهم، فكانت القصة تحتوي على تقليد (الفراشة ، الشجرة، الجبل، النسر، العجلة) وكنت مهتما في نهاية الجلسات أن أكلفهم بتمارين منزلية مبنية على ممارسة التأمل في منازلهم وبمشاركة ذويهم حيث كانت النتائج رائعة وكنت أود لو أنه باستطاعتي أن اكمل معهم من الحماس الذي كنت أقرئه في أعينهم في كل مرة.
النتائج التي توصلت إليها الدراسة كانت رائعة، كان التغير على سلوك الأطفال يظهر بشكل مضطرد وفقا لملاحظاتي وملاحظات الأهل والمعلمين، والأروع أن أثرها قد امتد إلى الفترة القصيرة التي أعقبت البرنامج، وهو ما يدل على أن اثر البرنامج لم يكن لحظيا وإنما ممتدا، فمن خلال التحليل والمتابعة تبين أن استخدام التأمل في المدارس يساعد في خفض الانفعالات العدائية بشكل كبير، وهو ما أسهم في مساعدة الأطفال على زيادة التركيز داخل الفصول الدراسية بعكس قبل التدخل، وعدم قدرتهم على الانتباه لفترات طويلة، وكذلك فقد أظهرت النتائج الإتجاهات الايجابية نحو المدرسة وجماعة الأقران من خلال تقليل المواقف العدوانية والتهرب من المدرسة لدى المجموعة التي عملت معها، وسيادة نوع من التعاون والحب بدلا من الصراع والشجار فيما بينهم .
على الصعيد الشخصي، أتمنى لو أتيح لي وقت أطول لترسيخ الفكرة وتعميق الممارسة بشكل أكبر، أتمنى لو استطيع أن أعيد التجربة مرة أخرى، فما تعلمته منها كفيلا بأن أدير العمل بشكل أفضل، أتمنى لو اهتممت بشكل أكبر بتسجيل اللحظات الممتعة التي عشتها مع الأطفال، أتمنى أن يكون في كل مدرسة برنامج مشابه يساعد الطلاب على الوصول للصفاء الذهني واستكشاف أحاسيسهم وتقبلها، أتمنى أن يتوقف المعلمين مرة واحدة وإلى الأبد عن عقاب الطلاب وتعنيفهم.