Quantcast
Channel: مدونة تربية حرة - أ.محمد أبو معيلق
Viewing all articles
Browse latest Browse all 87

التعلم السطحي والأعمق 4....عقلية النجاح والتفوق الدراسي

$
0
0
التعلم السطحي والأعمق 4
عقلية النجاح والتفوق الدراسي

بعيدا عن الهراءات الخاصة بالتنمية البشرية وخرافات البرمجة اللغوية العصبية، قدمت الباحثة كارول دويك Carol S.Dweck من جامعة ستانفورد واحدة من المداخل الرائدة في تكوين عقلية النجاح، والتي جاءت نتيجة لعدد كبير من الدراسات العلمية المنضبطة على الآلاف من الطلاب على امتداد سنوات للوصل إلى صحة تلك الفرضيات العلمية حول تأثير عقلية الطلاب على إنجازهم الدراسي.
تدور النظرية حول مصطلح أساسي وهو العقلية Mindset، والتي تعني معتقدات الفرد حول قدراته، والحقيقة الأساسية التي انتهت إليها هذه الدراسات هو أن بعض الطلاب لديهم "عقلية ثابتة"عن قدراتهم العقلية، أي أن لكل فرد قدر "ثابت"من القدرات أو المهارات العقلية، في حين أن البعض الآخر لديهم "عقلية النمو"، أي أنهم يؤمنون أنه يمكن لقدراتهم العقلية أن تنمو من خلال بذل الجهد والتعلم والإخلاص في العمل، ومن خلال إشراف معلمين، لا يعني ذلك أن كل البشر متشابهين أو متساويين في القدرات العقلية، "أو أن أي أحد يمكنه أن يكون آينشتين، لكنهم يعرفون أنه حتى آينشتين لم يكن كذلك لولا السنوات الطويلة من العمل المتفاني".
إلا أن ما يجعل لهذه النظرية أهمية خاصة على صعيد التعليم، هي أن العقلية، سواء عقلية الثبات أو النمو، هي محصلة لعملية التعليم، فمن خلال عمليات التوجيه والتعليم التي تقدم للطفل في البيت والمدرسة معا، تنمو عقليته بتلك الطريقة، وبالتالي فإن عقلية النمو ليست شيء يولد به الأطفال، وإنما يتعلمونه من المدرسة والأهل، وأن أي عملية تعليم لا تضع في اعتبارها تنمية عقلية النمو عند الأطفال، إنما هي بمثابة هدر لطاقات الطلاب وقدراتهم.
وتختلف نوعية الأهداف التي يتبناها الطلاب بناء على عقليتهم أو معتقداتهم حول قدراتهم، فالطلاب ذوي العقلية الثابتة عادة ما يتبنون أهداف "ادائية"تظهرهم بمظهر "أذكى"مما هم عليه، نظرا لاعتقادهم أن الناس يصنفون وفقا ما يبدون عليه من الذكاء في لحظة معينة، أما الطلاب ذوي عقلية النمو فيتبنون أهادفا تعلمية، أي يسعون لاكتساب الخبرات وتطوير معرفتهم من كل خبرة يخوضونها، ويترتب على ذلك عدم خوفهم من الدخول في خبرات تحتمل الفشل، فالطلاب ذوي عقلية النمو لا يخشون الخبرات الجديدة، والتي قد يحتاجون وقتا ليتقونها، مستعدين بذلك للفشل أمام الآخرين في المحاولات الأولى، والتعلم من أخطائهم والبناء عليها في المراحل التالية، على العكس الطلاب ذوي العقلية الثابتة، والذين يحجمون عن الدخول في تجارب قد تؤدي بهم إلى الفشل.
وينعكس ذلك على الرغبة التي يبديها الطلاب في بذل الجهد، فيصاحب ذوي العقلية الثابتة اعتقاد بأن ما هم بارعين فيه لا يجب أن يتطلب منهم مجهودا شاقا، والعكس صحيح، لذلك يتجنبون الأنشطة العقلية التي تتطلب منهم مثابرة أو بذل المزيد من الجهد، حتى يتجنبوا أن يظهوا بمظهر الفاشلين حسب اعتقادهم، في حين يرى أصحاب عقلية النمو أنه لا يوجد براعة أو تفوق بدون جهد، وأن الخبرات التي تستحق هي التي تتطلب بذل المزيد من الجهد لتحصيل المهارة فيها.
وتؤكد الدراسات أن طبيعة المديح التي يتلقاها الطلاب لها تأثير قوي على إنجازهم الدراسي، فالثناء على ذكاء الطلاب أو قدراتهم يجعلهم أكثر عرضة للإيمان بالعقلية الثابتة، في حين أن مدح الجهد أو طريقة العمل أو استراتيجيات التفكير يساعدهم على تطوير عقلية النمو،وتؤكد الدراسات أن النوع الثاني من المدح على تقبل الطلاب للمخاطرة بالدخول في تحديات أكبر من قدراتهم الحالية، وبذل المزيد من الجهد والمرونة في تبني استراتيجيات مختلفة لمعالجة التحديات، والانخراط في عمليات تعلم صعبة المنال، ومثابرة حقيقية طويلة الأمد عند مواجهتهم لتحديات أكثر صعوبة تتطلب التزام على مدى زمني طويل.
وتساعد الاستراتيجيات التعليمية التي تتضمن تعزيز عقلية النمو الألاف من الطلاب، وخصوصا الذين يعانون من ضعف أو مشكلات دراسية، على بذل المزيد من الجهد، والقبول بتجربة استراتيجيات متعددة للوصول إلى أهدافهم، في حين أن الاستراتيجيات "التصنيفية"التي تميز بين الطلاب حسب مستوياتهم، فإنها عادة ما تجعل الطلاب أقل قدرة على تحدي ذواتهم، وأكثر تقبلا لمستواهم المتواضع في المجالات التي لا يتقنونها، وفي حين يكتسب أصحاب عقلية النمو القدرة على استنباط وتجربة استراتيجيات جديدة عوضا عن تلك التي تنجح، فإن أصحاب العقلية الثابتة (من المعلمين والطلاب) يجربون نفس الطريقة مرات ومرات، ومن ثم يعزون الفشل إلى ذاتهم أو نقص قدراتهم لا للطريقة نفسها.


فيديو توضيحي عن عقلية النمو (بصوت كارول دويك)
عقلية النمو "الكاذبة"
تشير الباحثة فيكي دافيز إلى أن أحد الأخطاء التي يقع فيها المعلمون والمدربون عموما هو امتداح المحاولة بدون توجيه الطلاب إلى تطوير استراتيجياتهم، وتستدل بأحدى الدراسات عن أخطاء الجراحين في عمليات الجراحية، حيث يميل الجراحين الذين حققوا نسبة عالية من الأخطاء في برامجهم التدريبية، إلى ارتفاع نسبة الأخطاء التي يمارسونها في عملهم فيما بعد، وترجع الدراسة ذلك إلى تبنيهم خلال فترة تدريبهم لأعذار خارجية (تتعلق بالظروف) دون مراجعة ادائهم ذاته، إن القدرة على تحمل الخطأ أو اللوم المصاحب له لا يتضمن بحد ذاته نموا، بدون تدريب على تعديل استراتيجيات العمل.
من الأخطاء التي يقع فيها المعلمين أيضا التركيز في التغذية الراجعة على الجهد المبذول، دون الإشارة إلى الاستراتيجية المتبناة ودقة العمليات، لذلك تلعب التغذية الراجعة التفصيلية والتوجيهية دورا حاسما في نمو ذهنية النمو عند الطلاب، ويجب على المعلمين العمل مع طلابهم على معالجة استراتيجيات تعلمهم غير الفعالة، حتى لو كانوا يبذلون الكثير من الجهد.
لا تتحقق عقلية النمو كذلك إلا في بيئة آمنة وداعمة، فلوم المعلم للطلاب على عدم تبنيهم أساليب "عقلية النمو"هو مساوي في الأثر للومهم على علاماتهم المنخفضة، والأفضل هو تقديم الأنماط والنماذج العقلية والعمليات اللازمة، ومساعدتهم على اتباعها بشكل تدريجي، والتعاون مع الأهل في سبيل تحقيق ذلك، وهو ما ينصرف أيضا إلى دور الإدارة المدرسية التي ترى في فرض أساليب "عقلية النمو"على المعلمين، دون اعطائهم الفرص والتنوير الكافي حول ذلك.
عقلية النمو والتنمية المهنية للمعلم
على المعلمين أنفسهم أن يتبنوا عقلية النمو، ليس فقط في تدريسهم لطلابهم، ولكن أيضا في تطورهم المهني، فالتمترس خلف طرائق تدريس معينة باعتبارها ما اعتادوا على فعله، والاعتقاد بعدم قدرتهم على تبني أساليب تعليمية جديدة نتيجة لمشكلات في البيئة المدرسية أو النقص في الموارد، هو جزء من "عقلية الثبات"التي تنحو للوم على الظروف الخارجية بدلا من العمل على إيجاد الأساليب المناسبة لتطويرها، وهو ما ينطبق أيضا على الخوف من الفشل الذي يشكل أحد العوائق الأساسية أمام توظيف المعلمين لطرق أو استراتيجيات جديدة، ويبقى الادعاء "أنا جيد فيما أقوم به"أحد العبارات المتداولة، والتي تمنع المعلم من الاستفادة من برامج التمكين المهني التي ينخرط فيها.
ويجب على الإدارة بالمثل أن توفر للمعلمين "بيئة آمنة"تمكنهم من تجربة الطرق الجديدة دون خوف من الفشل، وفتح آفاق التمكين المهني والتعاون بين المعلمين لدراسة وتطبيق الأفكار الجديدة، وفحص أفضل السبل لانجاحها، وكذلك توفير مساحة وأدوات للمعلمين يتمكنون من خلالها من التأمل في ممارساتهم، والاعتبار وأخذ الدروس من النجاح والفشل على حد سواء، وكذلك توفير الحوافز اللازمة (المادية والمعنوية) لما يقدمونه من إصرار ومثابرة.

وبشكل عام، فإن تطوير ذهنية النمو لدى المعلمين والمتعلمين ليست أمرا وقتيا أو قصير الأمد، بل هو تيار عام لا بديل عن إزالة جميع العوائق أمامه، من أجل جعل التعلم حقيقيا ذو معنى وفائدة على مستقبل الطلاب، وتوظيف قدراتهم ومساعدتهم على الوصول إلى الحد الأقصى من امكانياتهم، وهو ما يتطلب تفهما وتعاونا من جميع الأطراف المشاركة في العملية التعليمية، من المعلمين والإدارة المدرسية والإدارات المركزية وأولياء الأمور




كلمة الباحثة كارول دويك نظرية النمو 
(يوجد ترجمة للعربية يمكن تفعيلها من أسفل الفيديو)

Viewing all articles
Browse latest Browse all 87

Trending Articles