حملت هبة البطاقات أمامها لتريها للطالبات الصغيرات، سألتهم:
- ماذا في هذه البطاقة؟
- دجاجة
- هل تلد الدجاجة؟
- لاااااااااااااااااااااا
تعرض بطاقة جديدة:
- ماذا في هذه البطاقة؟
- بيضة؟
- ماذا في البيضة؟
- كتكوت
- الكتكوت ابن من؟
- الدجاجة
استمرت هبة في طريقتها المملة، بينما الطفلات الصغيرات مستغرقات في الضحك ويتغامزن على المعلمة من حين لآخر، كانت المعلمة مستغرقة تماما في شرح الفرق بين التكاثر عن طريق البيض، والتكاثر عن طريق الولادة، غير منتبه لما يسود البنات من سخرية، طلبت منها التوقف، نادرا ما اتدخل في سير الحصة، سألت البنات عمن تملك أسرتها مزرعة أو تقوم بتربية الحيوانات في المنزل، رفعت الطالبات جميعهن أيديهن، بالطبع فهم يعيشون في قرية، سألتهم من شاهدت أي طائر منزلي وهو يبيض، أو من شاهدت عملية ولادة لأحد الحيوانات، تدفقت عشرات القصص من تلك الأفواه الصغيرة، من الواضح أن معرفتهم الشخصية أوسع وأعمق مما هو مذكور في المقرر، الغريب أن المعلمة لم تنتبه لذلك رغم أنها ابنة نفس القرية.
ويأتي هذا الدرس ضمن وحدة كاملة تتعلق بنمو الحيوانات وتغذيتها وتكاثرها، بالنسبة للفتيات الصغيرات الموضوع أكبر من مجرد مجموعة صفحات بالكتاب، انها خبرة حياتية يعايشونها يوميا، وحين يتجاهل المعلم كل ذلك ويحاول "حشر"مجموعة من الأفكار في عقل طلابه، يكون قد أسس ووضع اللبنات الأولى في الحاجز بين المدرسة وحياة الطلاب، ذلك الفصل الذي يجعل من المدرسة مجرد مكان جاف وممل بل وغير مفيد في حياة الطلاب.
طالبة أخرى، فداء، كان درسها عن الماء، الماء؟، تصرفت المعلمة وكأنها تدرس خبرة جديدة للطلاب، واحضرت مجموعة من الوسائل لتعرض لهم هذه الأفكار الطازجة (بالنسبة لها بالطبع لا بالنسبة لهم)، تركت الحصة تسير حسبما خططت، كان انخراط الطلاب سيء وبعيدين تماما عن جو الحصة، عانت الطالبة كثيرا وهي تحاول افناعهم بالمشاركة دون فائدة، كيف يمكن لمعلومات في غاية السطحية أن تشجعهم أو أن تمثل مصدر إثارة لهم.
يقع المعلمون والمعلمات في هذه المواقف نتيجة لتجاهل عدد من القواعد الأساسية لأي تدريس حقيقي أوفعال، أولا تجاهل خبرة الطلاب السابقة، وتقديم أي معلومة على أنها جديدة بالنسبة للطلاب هو أمر مضجر حقا، والمعلم عند هذا المستوى قطعا غير مؤهل للقيام بمهنة التعليم، للأسف يفشل الكثير من المعلمين في فحص الخبرات السابقة للطلاب أو البناء عليها بشكل منهجي، أقصى ما يصل إليه البعض هو "هل تتذكرون كذا؟"ثم ينطلق في تقديم خبرات درسه بدون ربط حقيقي لخبراتهم مع موضوع المنهاج.
يتجاهل المعلم هنا أيضا دوره في تنمية خبرات ومهارات طلابه، يتعامل مع خبرات المنهاج باعتبارها قاصرة على "حفظ"معلومات الكتاب أو استيعابها، وإذا كانت هذه هي رؤية المدرس لعمله، فهو قطعا بغير حاجة للبناء على خبراتهم السابقة، الترديد والتكرار سيكون كافي جدا للحفظ، إلا أنه بدون جدال عبارة عن تضييع للوقت والمجهود المبذول في الحصة، ويزيد من الاتجاهات السلبية نحو التعليم والتعلم والمدرسة برمتها، وهدر لقدرات ومهارات الطلاب.
في الحالتين المذكورتين، لم ارضى عن النتيجة السابقة، تجاوزت صلاحياتي في تمديد الممارسة أسبوعا آخر، وطلبت منهما أن يعيدا تصميم نفس الدرس، بطريقة مغايرة تعتمد على خبرات الطالبات السابقة وتوظف أساليب التعلم النشط، لتنمية مهارات الطالبات، عقدنا ورشة عمل مصغرة لثلاثتنا، وبعد عدة اقتراحات ومناقشات استقرت كل منهم على طريقة مختلفة.
صممت هبة قائمة رصد ، تطلب فيها من كل طالبة بمساعدة ذويها، أن تقوم بحصر الحيوانات الموجودة في المزرعة أو في الحظيرة المنزلية (أو أقرب مزرعة لهم)، وأن يقوموا بتحديد عمر كل حيوان ومواصفاته (الوزن والطول.....) وتغذيته وأساليب رعايته وكيفية تكاثره، وأن تعرض نتائجها أمام زميلاتها في الصف.
تشككت في البداية من امكان الصبايا في الصف الثاني (7 سنوات) القيام بالعمل المطلوب، إلا أن النتيجة أكثر من مبهرة بالنسبة لها، فلم يكتف الطالبات بتعبئة القائمة المطلوبة، وإن كن قد عبئنها بامتياز، لقد التقطت بعضهن صور للحيوانات، وقامت بالرسم على الصورة للمقارنة بين الأعمار المختلفة للحيوانات، بعضهن قامت برسم أشكال تعبر عن دورة الحياة لهذه الحيوانات، طوال أسبوع كامل شكل الحديث عن هذا النشاط محور اهتمام الطالبات، وجدت المعلمة أن مساعدتهم في التعبير عن أفكارهن أمرا مسليا تماما، يوم العرض، تقول هبة، كان عبارة عن معرض علمي حقيقي، اكتشفت أيضا أن النشاط يمكن أن يتم توظيفه في اللغة العربية والرياضيات والتربية المدنية.
قررت هبة أن تبني على النشاط السابق، لترى إلى أي مدى يمكن أن تصل الطالبات، قسمتهن إلى مجموعات وطلبت من كل مجموعة أن تتخيل أنها مسؤولة عن مزرعة لأحد هذه الحيوانات، وأن يقمن بالتعاون بينهن بعمل قائمة بأهم الأشياء التي يجب أن تراعيها، وكيف يمكن أن تستفيد ماديا من تلك المزرعة، كانت النتيجة رائعة إلى أقصى حد، المعلمة المتعاونة طلبت من هبة أن ترشدها إلى مصادر لمثل تلك الأنشطة الفعالة.
فداء، بعد أن لاحظت أن مكتبة الصف تحتوي على مجموعة من القصص والكتب التي تتناول أو تتطرق إلى موضوع المياة أو موضوعات ذات علاقة به، عن صيد الحيتان أو تلوث الأنهار أو الأمطار أو النظافة......، قسمت الطلاب إلى مجموعات، وطلبت من كل مجموعة أن تقوم بقراءة القصة واستخلاص أهم أفكارها، وعن المعلومات التي استفادت كل منهم عن الماء من خلال القصة، وأخبرتهم أن هناك مكافأة لأفضل مجموعة، لاحظت خلال عمل المجموعات أن الطلاب يساعدون بعضهم على قراءة المفردات الجديدة، ويقومون بشرح الأفكار الواردة فيها ومناقشتها مع زملائهم، وعلى الرغم من أن الدرس ينتمي إلى مقرر العلوم، إلا أنها اكتشفت أن تلك طريقة رائعة لتعلم القراءة، مرة اخرى ما توصل إليه الطلاب في عامهم الأول كان أعمق من الخبرات الواردة في المنهاج وأكثر حيوية، بعد العرض طلبت منهم أن تقوم كل مجموعة برسم ما توصلت إليه من نتائج وتعليق اللوحات على حائط الصف....اعتقد أن كلتاهما قد تغيرت طريقة تدريسها إلى الأبد.
للأسف إن الأخطاء التي وقعت فيها كل منهما، وهو تجاهل الخبرات السابقة وعد البناء عليها، لا يعود لنقص خبرتهما في العمل المدرسي، فقد شاهدت عشرات المدرسين ممن يقومون بالربط بين خبرات الدرس والحياة الواقعية بشكل روتيني سطحي، مما يفقده معناه ويحوله لمجموعة من الأفكار غير المترابطة، وغير المفيدة في البناء عليها أو الاستفادة منها في الحياة، يجب على كل معلم أن يبذل جهده في تصميم الأنشطة اللازمة لتعميق المعرفة السابقة والربط بينها وبين الخبرات الجديدة من خلال أنشطة عملية يمارسها الطلاب وتنمو مهاراتهم ومعارفهم من خلالها.